مخاطر فلسطينية داخلية بعد انتهاء جولة بوش

TT

هل عاد الرئيس جورج بوش من جولته العربية كاسبا أم خاسرا؟

هل أعطى للعرب والفلسطينيين مواقف مطمئنة، وماذا أعطى للإسرائيليين بالمقابل؟

إذا حاولنا أن نسجل «ايجابيات» جولة بوش، مع أن الحديث عن ايجابيات في السياسة الأميركية الراهنة أمر صعب للغاية، فإننا نستطيع أن نورد النقاط التالية:

1 ـ ضغط على إسرائيل من أجل وقف (توسيع) الاستيطان، ومن أجل البدء بإزالة بعض البؤر الاستيطانية غير المصرح بها رسميا.

2 ـ ألغى، حسب قول الإسرائيليين، التتالي الموجود في أساس خطة خارطة الطريق، والذي لا يتيح الانتقال من نقطة إلى أخرى إلا بعد إنجازها (ضرب الارهاب أولا قبل الذهاب إلى المفاوضات)، وضغط باتجاه البدء في الوقت نفسه بالتداول حول قضايا الوضع النهائي.

3 ـ أورد في أحاديثه كلمة «الاحتلال» و«إنهاء الاحتلال»، مع أن الإسرائيليين لا يعتبرون أنفسهم محتلين للضفة الغربية بل محررين لأرض إسرائيل التوراتية.

4 ـ تحدث عن دولة فلسطينية متصلة جغرافيا ويجب أن تقوم. وذلك ضد واقع الكانتونات الذي يفرضه توزع المستوطنات.

ولكن بالمقابل، ماذا أعطى بوش لإسرائيل؟ أعطاها حسب وصف الإسرائيليين، هبة لا تقدر بثمن، من خلال الرسالة التي وجهها عام 2004 إلى آرييل شارون، وسجل فيها تأييده لإسرائيل في أربع قضايا هي: ضرورة التغيير في حدود الهدنة عام 1949، وضرورة بقاء المستوطنات الأساسية، وضرورة بقاء حق العودة، والإقرار بيهودية دولة إسرائيل. وأعطى بوش لإسرائيل أيضا، ومن خلال تصريحاته أثناء جولته، تأكيدا لكل هذه القضايا سالفة الذكر، وأضاف إليها الحديث عن ضرورة وضع خطة دولية لتعويض اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم.

وإذا عقدنا مقارنة سريعة بين ما أعطاه بوش للفلسطينيين، وما أعطاه للإسرائيليين، نجد أن الانحياز لإسرائيل هو الطاغي والمسيطر. ومع ذلك اعتبر المسؤولون الفلسطينيون في رام الله أن نتائج الزيارة كانت إيجابية. لماذا؟ لأن صدور هذه المواقف، ولو البسيطة، من الرئيس الأميركي بالذات، هو لأمر مهم للغاية، ويعكس مدى الاهتمام الدولي بإنشاء دولة فلسطينية.

إزاء هذا الاختلاف في التقييم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من المهم أن نراقب كيف يتصرف الإسرائيليون والفلسطينيون على ضوء معطياتها. وهل تساعد هذه التصرفات في أن تجعل من الزيارة نقطة تحول في الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟

اثناء زيارة بوش واصل الإسرائيليون عملياتهم العسكرية ضد الضفة الغربية (نابلس وسواها)، كما واصلوا عملياتهم ضد قطاع غزة (القتل اليومي). وما أن غادر بوش دولة إسرائيل حتى صعد الإسرائيليون عملياتهم ضد قطاع غزة إلى حد يقترب من المجزرة التي تشمل المقاومين والمدنيين على السواء. وكانت المجزرة كبيرة إلى حد دفع الرئيس عباس إلى التهديد بوقف المفاوضات إذا استمرت عمليات القتل هذه. ومن المعروف أن من يبادر إلى هذه العمليات هو وزير الدفاع ايهود باراك الذي لا يخفي طموحه للإطاحة بايهود اولمرت وتولي رئاسة الوزراء مكانه، وبهذا يبدو غير عابئ بمراعاة الرئيس بوش.

وما أن انتهت زيارة بوش، حتى بادر الوزير ليبرمان رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) إلى إعلان استقالته من الحكومة، احتجاجا على موافقتها على بدء التفاوض حول قضايا الحل النهائي، كما أعلن أن نواب حزبه الـ 11 في الكنيست سيصبحون معارضين للحكومة. وتعكس استقالة ليبرمان نوعا المصاعب الداخلية التي سيواجهها اولمرت في نضاله من أجل البقاء في السلطة، والاستفادة من دعم بوش المطلق له. ولكن ليبرمان يبدو أيضا غير عابئ بذلك.

وأثناء وبعد زيارة بوش لإسرائيل، واصلت سلطات الأمن الضغط على الفلسطينيين المقيمين تحت سلطة دولة إسرائيل، وتهديد قادتهم بشكل خاص، تنفيذا لخطة موضوعة من أجل كبح جماح حركتهم السياسية النامية، والتي تطالب بالديمقراطية والمساواة، والتي يعتبرها الإسرائيليون تهديدا لأمنهم القومي، وتهديدا بالذات لمبدأ يهودية دولة إسرائيل، تكميلا لسياسة بدأت مع رائد صلاح زعيم التيار الإسلامي وعزمي بشارة المسؤول البارز في التيار القومي.

إن هذه المؤشرات كلها لا تبشر بأن إسرائيل جادة في إجراء مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين. وحتى اولمرت نفسه يرد على الحملات ضده ويقول إن ما سنصل إليه في المفاوضات حول الوضع النهائي (سيوضع على الرف) إلى أن ينجز الفلسطينيون القضاء على «الإرهاب»، أي توقف المقاومة ضد الاحتلال بشكل كامل.

هذا على الجانب الإسرائيلي، فماذا عن سير الأمور على الجانب الفلسطيني؟

إن أكثر ما يعاني منه الفلسطينيون الآن هو هذا الانقسام بين فتح وحماس، وبين رام الله وغزة. وهناك حاجة ماسة للطرفين من أجل الخروج من نفق هذا الانقسام والتغلب عليه. وقد انعقد بعد انتهاء زيارة بوش المجلس المركزي الفلسطيني (الهيئة الوسيطة بين دورتي المجلس الوطني الفلسطيني)، وبحث في الوضع، واتخذ توصيات لا تبشر بالخير. ففي خطاب الرئيس عباس أمام المجلس قال إنه مستعد للحوار إنما بشروط: أن يتراجع الانقلابيون عن انقلابهم في غزة، وأن يتم الذهاب مباشرة إلى الانتخابات (خلافا للدستور)، والانتخابات حسب مواقف رسمية سابقة مشروطة بموافقة المرشحين كتابيا على كل ما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل حتى الآن، الأمر الذي يؤدي إلى منع المعارضين من الترشح، ويكرس في النتيجة برلمانا من لون سياسي واحد، خلافا لأبسط قواعد الديمقراطية.

ولكن الأخطر من ذلك هو الدعوة إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني بتركيبته الحالية، وخلافا لاتفاق القاهرة الموقع من قبيل جميع الفصائل عام 2005، وهو مجلس وطني قائم على أساس (التعيين) وعلى اساس (الكوتا) بين الفصائل. كذلك الدعوة إلى انتخاب رئاسة جديدة للمجلس الوطني، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة. ويعني هذا الموقف بمجمله، المعلن منه والمضمر، تجاهل كل النشاط الشعبي الفلسطيني الذي وجد ونما وتبلور في السنوات الـ 14 السابقة، وفي كل أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين، والذي يكاد يتمحور حول نقطتين: تأكيد حق العودة للاجئين، وإعادة تكوين المجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة الانتخاب لا على قاعدة التعيين كما كان الأمر في السابق.

الأخطر من ذلك، تلك الأصوات التي بدأت تعلو في الضفة الغربية، متحدثة عن فلسطينيين الداخل وفلسطينيي الخارج، وعن ضرورة الفصل بين مطالب الطرفين، والتركيز على ما يمكن تحقيقه منها فقط. وترجمة ذلك أنه إذا كان مطلب حق العودة مثلا سيعرقل قبول إسرائيل بإنشاء دولة في الضفة وغزة، اي في الداخل، فمن الخطأ أن نضع حق العودة عقبة في طريق إنشاء الدولة.

الأخطر من ذلك، الدعوات التي بدأنا نسمعها، والداعية إلى إنهاء حركة فتح، وتحت ستار خادع يقول بتغيير بنية حركة فتح، ومن أجل إنشاء هيكل تنظيمي جديد، يكون على شاكلة (حزب الرئيس) كما في هذا البلد العربي أو ذاك.

الأخطر من ذلك، هذه الحملة من أعضاء في السلطة، ومن أعضاء في المجلس المركزي، ومن أعضاء (من نوع خاص) في حركة فتح، تهاجم المؤتمر الشعبي الذي سيعقد في دمشق، وسيكون تحت شعاري: الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت، والذي دعيت له كل الفصائل من كل الاتجاهات، وبما فيها تلك الفصائل التي تهاجم المؤتمر.

ويتم هذا كله بينما تتواصل الغارات الإسرائيلية على المواطنين، وبينما يتكامل الموقف الإسرائيلي مع الموقف الأميركي ضد المصالح الأساسية للفلسطينيين، وهو ما يستدعي من الجميع إعادة نظر بمواقفهم للخروج من هذه العلبة المغلقة التي يحشر كل طرف نفسه فيها.