زيارة بوش للأراضي الفلسطينية: هل من جديد؟

TT

قد تكون الحقيقة الوحيدة التي أبرزتها جولة الرئيس الأمريكي جورج بوش لمنطقة الشرق الأوسط، وزيارته الأخيرة للأراضي الفلسطينية، هي حجم الانقسام الذي تشهده تلك الساحة في المرحلة الحالية. فبينما وصف الرئيس عباس الزيارة بأنها «تاريخية»، أدارت قيادة وحكومة حركة حماس ظهرها تماماً لذلك التحرك وأعربت عن عدم ترحيبها، أو بمعنى آخر عدم اهتمامها بتلك الزيارة.

ورغم أنه من الممكن إطلاق نعوت وأوصاف عديدة لهذا الجهد السياسي والدبلوماسي الرئاسي الأمريكي الجديد، الذي جاءت زيارة الأراضي الفلسطينية كجزء منه، إلاّ أن استعمال تعبير «تاريخية» لوصف تلك الزيارة هو أمر يعطيها دلالة قد لا تكون جديرة بها.

من ناحية أخرى فإن الاكتفاء من قبل قيادة حركة حماس بمجرد الإعلان ببساطة شديدة بأن زيارة الرئيس بوش للأراضي الفلسطينية «غير مرحب بها» يعكس قراءة مغلوطة، وربما غير مسؤولة، للاحتمالات الخطيرة التي قد تترتب على هذه الزيارة والتي قد تكون حكومة وحركة حماس، وكذلك المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة بكامله، هدفاً لها على أبسط التوقعات.

إن الأهمية التاريخية لأي زيارة للأراضي الفلسطينية لا تكمن في مركز أو نفوذ الضيف الزائر، بما في ذلك الرئيس بوش، بقدر ما تتحدد بما يحمله معه من آراء واقتراحات، وبقدرته وتصميمه على فرض تنفيذ تلك الاقتراحات للمساهمة في التوصل إلى حل عادل ومقبول من جميع الأطراف الرئيسية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني الموحّد، صاحب المصلحة الحقيقية في السلام والحرية وإنهاء الاحتلال، الأمر الذي لا يختلف اثنان على أنه لم يتحقق في زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة.

كما كان متوقعاً، لم يكن هناك جديد في ما قاله كلّ من الرئيس بوش والرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، حيث ردد الرئيس عباس تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وأصر رئيس الوزراء على يهودية الدولة وضم القدس والمستوطنات وضرب غزة، بينما كرر الرئيس بوش وعوده لمساعدة الفلسطينيين وضمان مستقبل أفضل لهم، كما كرر تأييده ودعمه للمطالب الإسرائيلية بكاملها تقريباً. يبقى المهم، في العجز الواضح للرؤساء الثلاثة عن تحقيق تقدم حقيقي في الوضع الراهن، هو استمرار الجانب الفلسطيني، في المشاركة في أي جهد عربي أو إقليمي أو دولي يهدف للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لأن هذا في حد ذاته تعبير واع لأهمية وجود شريك فلسطيني ليس لمواجهة الإسرائيليين فحسب، بل المشاركة أيضاً في جهود المجتمع الدولي. إن التخلّي من قبل الفلسطينيين عن لعب هذا الدور سوف يترك الباب مفتوحاً لأية قوة إقليمية أو خارجية لملء ذلك الفراغ.

إن المسؤولية السياسية والوطنية والأخلاقية للخروج من حالة الانفصام الفلسطيني هذه لا تقع على حركة فتح والرئيس عباس فقط، بل وربما بشكل أكبر في هذه المرحلة على حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل أيضاً. ليس فقط لأن هذا الوضع سوف يؤثّر سلباً على دور الشريك الفلسطيني ومركزه التفاوضي في الجهود الجارية، ولكن لأن هذا الانقسام الفلسطيني سوف يضر بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وبحركتي فتح وحماس وبمجمل النضال الفلسطيني الذي قادته هاتان الحركتان وقدّمتا خلاله آلاف الشهداء. إن التأثير السلبي المدمّر للوضع الفلسطيني الحالي يضعف جميع أبعاد الحياة والمستقبل وإمكانيات النجاح، كما يمّس مركز القوة الأساس الذي اعتمد عليه العمل الفلسطيني منذ سنوات طويلة، وهو دعم الأمتين العربية والإسلامية والتحالفات معها والتي بدأ بعضها يتنصل من مسؤولياته بصددها بدعوى الخلافات الفلسطينية.

* كاتب فلسطيني