جمال الفن يجعلك تنسى نفسك!

TT

أتذكر أن بطلة فيلم «صوت الموسيقى» ليست جميلة أبداً.. بل يمكن أن نقول إنها دميمة. صحيح هي شقراء رشيقة ذهبية الشعر زرقاء العينين نحاسية البشرة..«معيزية الساقين» ولكن صوتها من السماء! وأمام هذا الصوت، وتحت رحمة موسيقاه، وفي جمال ابتسامتها وطيبة قلبها، وهي تقوم بدور المربية الراهبة، بعد أن دهمها الحب، لا يسعدك إلا أن تحني قلبك في صدرك، وتنسى أنها ليست جميلة!

إن أم كلثوم نفسها ليست جميلة. ولكن من الذي يستطيع أن يرى ملامح أم كلثوم وهي تغني. إن أحداً لا يراها بوضوح فصوتها يخلق لك سحباًُ وردية وبين لحظة وأخرى تنزل على خدك دمعة..

إن عبد الحليم حافظ ليس جميلاً: صوته فقط.. إن يدي عبد الحليم وأصابعه أشبه بأيدي الذين يشتغلون في قطع الحجارة..

إن فيروز ليست جميلة.. إنها نحيفة جافة، وأنفها أدق من صوتها، ولكن صوتها يجعل للدنيا لمس الحرير ولمعان الفضة!!

إن محمد قنديل يصلح أن يكون جزاراً بكرشه وذراعيه الغليظتين.. ولكن صوته ناعم رقيق مليء بالأسى..

ومحمد عبد المطلب ابن البلد بحاجبيه الجامدين ووجهه الخالي من أي تعبير لا يلهمك بأنه أحسن مطرب شعبي..

بل إن هناك ممثلات عالميات لسن جميلات.. ولكن الإطار الجميل والمعاني الجميلة هي التي تجعلنا ننسى هذا الوجه أو هذا الجسم الذي هو وسيلة لنقل هذه المعاني. صوفيا لورين مثلاً: فمها كبير جداً وطويلة جداً وطريقتها في الكلام «بلدي جداً» إذا استمعت إليها باللغة الإيطالية..

كلوديا كاردينالي ليست جميلة. أذناها كبيرتان.. وأنفها مربع وشعرها مستعار..

سليفانا مانجانو بطلة فيلم «مرارة الأرز» صوتها مثل صوت كتكوت خرج من البيضة فوراً.. ولذلك فأنت لا تسمع صوتها في السينما، وإنما صوت واحدة أخرى.. لقد أصبح الصوت كالباروكة يمكن أن يستعيره أي إنسان..

أنا مانياني أعظم ممثلة إيطالية.. عيناها تشبهان عيون بنات الصين، وصوتها يشبه صوت واحدة أدمنت شرب الشيشة، ولكن في الإطار الفني الجميل، وفي الجو المشحون بالمعاني ننسى الفم الكبير والقوام القصير.. وننسى حتى أنفسنا!