بحب السيما

TT

لا حديث للناس في القاهرة سوى فيلم «حين ميسرة» للمخرج خالد يوسف. ثورة النقاد غير مسبوقة، والاتهامات بأن الفيلم يسيء الي سمعة مصر اشعلت فضولي فذهبت لمشاهدة الفيلم. وليتني فهمت لماذا يثور النقاد على هذا الفيلم بينما مر فيلم عمارة يعقوبيان وسط عاصفة من التصفيق الحاد والهتاف المتواصل لا في مصر وحدها ولكن في الغرب حيث مهدت لعرضه ماكينات دعاية مدعومة بميزانيات ضخمة فعرض في المهرجانات واستقبل ابطاله ومنتجوه استقبال الغزاة والفاتحين.

ففي رأيي المتواضع أن فيلم عمارة يعقوبيان حرر شهادة وفاة لا حياة بعدها للانسان المصري. فهو فيلم مأخوذ عن رواية علاء الاسواني التي لا ترى في مصر شخصيات سوية ولا بارقة امل في التغيير وانما هو رؤية لشعب يتمرغ في الوحل، استمرأ الفساد وانحنى لسلطة المال وباع الشرف وخضع للظلم وتخلى عن موروثاته القيمية والاسرية ليخرج القارئ ومشاهد الفيلم معتقدا بأن مصر الميتة الموتة الكبرى.

أما خالد يوسف فهو مصري يحب مصر ويتمنى اصلاح ما افسدته الظروف الدولية والمحلية: مخرج شاب اتمنى ان يستمر ابداعه في سينما الواقعية. فقد ذكرني «حين ميسرة» بأفضل افلام الواقعية الايطالية التي اخرجها فيتوريو دي سيكا وقامت ببطولتها صوفيا لورين. رؤية انسانية تدخل الشخصيات في نزال مع الظروف ومع قوى الخير والشر بدون ان تفقدها ارادة الحياة والامل. حين ميسرة عنوان يوحي بأن الامل لا يموت.

خالد يوسف دخل عالم العشوائيات بحثا عن الروح المصرية التي تفرض عليها الظروف ما تفرض من قسوة فتتكيف بالحيلة تارة وبالمرح والتكافل تارة وبالثورة على الظلم تارة اخرى. وهو فيلم يخاطب عقل المشاهد برؤية تفيد بأن القوى التي تدير العالم تفتعل الحروب والغزوات لأسباب خاصة وفي اماكن قد تكون بعيدة جغرافيا عن شوارع العشوائيات المزدحمة في القاهرة ولكنها اقرب من النفس لهؤلاء الناس تتأثر بها حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاسرية وعلاقتهم بالسلطة المحلية التي فشلت في ادارة المجتمع واستبدلت الادارة بالبطش والتحالف مع المعتدي.

الفيلم لا يخلو من روح الدعابة التي يتحلى بها المصريون، رغم انه دراسة لواقع اجتماعي هو نتاج الفقر والزحام وانه مواجهة صريحة ودالة مع واقع شريحة من المصريين يتمني البعض انكارها. ولكنها موجودة وشاهدة على ان الارادة والموروث الشعبي هو الثروة المتبقية لهؤلاء. الظروف عن واقعهم تطرح تساؤلات وتطالب بحلول جذرية واستحقاقات مهما انكرها اصحاب السلطة والمال تظل تلاحقهم من امامهم ومن خلفهم كدليل اما على سوء النوايا او سوء الادارة.

بصراحة لم اجد في «حين ميسرة» اساءة الى مصر. امتعني الفيلم وأثراني بينما ابكاني عمارة يعقوبيان وأشقاني. ولو قدر لي ان التقي خالد يوسف لحييته اجلالا. تحية اخرى لأبطال الفيلم الذين ذكرني افضلهم بالراحل المبدع احمد زكي. فقد خرجت من دار العرض ولسان حالي يردد: بحب السيما.