الرابع، إلى اليسار

TT

نقلت التلفزيونات والصحافة يوم الخميس 17 كانون الثاني صورة من مجلس النواب اللبناني يظهر فيها: من اليمين، النائب سعد الحريري، الرئيس السابق أمين الجميل، الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، والى جانبه، في أقصى اليسار، النائب ميشال عون، الثلاثة الأوائل يبدون مبتسمين، لزوميات الصور. Cheese. لهم ولسواهم.

اقتضت عمرو موسى اتصالات بأربع جهات الأرض، لكي يرتب الصورة، قبل أن يسافر إلى دمشق، التي ترفض التدخل في شؤون لبنان. لكن يحسن بنا أن نقرأ الصورة جيداً لكي نقرأ ـ إذا استطعنا ـ الحال في لبنان. فلنبدأ من اليمين، كما هي العادة والقاعدة: سعد الحريري شاب لم يقل كلمة سياسية واحدة. كان ذات يوم في حفر الباطن عندما قيل له، أدر التلفزيون. ثمة حادث هائل في بيروت. فعل، رأى نيراناً كثيرة. وحرائق. ثم قيل إنه موكب رفيق الحريري. وتمنى أنهم يكذبون. لكنه بعد دقائق رأى جثة رفيق الحريري، مفحمة، ترمى من السيارة إلى الأرض. حمل نفسه وجاء إلى بيروت. تلك المأساة لم تترك له الخيار. لا بدّ من السياسة، ولو في لبنان.

الثاني من اليمين، أمين الجميل، ولد في بيت سياسي. صار نائباً قبل 35 عاماً. وعندما اغتيل شقيقه، بشير، العام 1981، انتخب مكانه. وبحث، أول شيء، عن قائد للجيش في صفوف الضباط الموارنة، وكان يفترض أن يكون الضابط برتبة عميد، ولم يلق. وفكر بالضباط الذين كانوا يحيطون بشقيقه بشير. ووقع الاختيار على ضابط المدفعية ميشال عون. لكن ميشال عون كان برتبة عقيد، فتمت ترقيته وأصبح قائداً للجيش عند أمين الجميل.

بدأ ميشال عون يعمل لإزاحة أمين الجميل بانقلاب عسكري، ووجد الأمر صعباً. لكنه لم ييأس. اتصل بأصدقائه من المتمولين وطلب منهم تدبير 300 مليون دولار ولم يستطيعوا. أو بخلوا. وفي أي حال أصبح قائد الجيش يعامل رئيس الجمهورية كأن لا وجود له وان غداً لناظره قريب. فلنغفل، لضيق المساحة، قصة صعود ميشال عون إلى بعبدا في اليوم الأخير من رئاسة الجميل، الذي أرغم، بقوة السلاح المحيط ببعبدا، على تعيين عون رئيساً لحكومة عسكرية رفض المسلمون المشاركة فيها.

قبل أكثر من عام بقليل فقد الجميل ابنه البكر عن 34 عاماً. وكان نائب المتن التي كان والده نائبها من قبل. وحاول أمين الجميل أن يرشح نفسه حفاظاً على مقعد العائلة والحزب. وخاض المعركة ضده ميشال عون متحالفاً مع جميع أعداء الأمس، وجميع الذين استنكرهم واستنكروه. وفاز مرشحه بـ 400 صوت. لكن قبل إعلان النتائج قال عون إلى محازبيه: فلنذهب ونحتل السراي. ولو لم يفز مرشحه لكانت «حرب تحرير» جديدة قد أغرقت لبنان بالدماء.

الرجل الثالث مصري، معذب، سيئ الطالع، كثير الكفاءات، لم يلق الوفاء إلا من هذا شعبان عبد الرحيم. الرجل قدره أن يقنع اللبنانيين بالالتقاء. أخيراً نجح في التقاط صورة تذكارية تجمع بين مفجوعين يقبلان بأي حل للبنان وبين قائد «حرب التحرير» و«دولة الرئيس»، النائب العماد رئيس حركة «التغيير والإصلاح»، الرابع من اليسار.