هل تكفي تعويضا عن الفحولة؟!

TT

لو كان العالم النفسي فرويد حيا لمد لنا لسانه ساخرا، وهو يستشهد بالكثير من أخبار عصرنا لتعزيز نظريته ـ سيئة السمعة ـ بأن الغريزة الجنسية المحرك الأساسي أو الوحيد للسلوك، فلقد نشرت إحدى الصحف المحلية قبل أيام خبرا عن رجل سبعيني يطالب أحد المستشفيات الخاصة بجدة بتعويضه مبلغ 20 مليون ريال عقب تعرضه لخطأ طبي أفقده فحولته، وما كان لذلك الرجل أن يطالب بكل هذا المبلغ الذي يفوق دية الفرد المقررة شرعا عشرات المرات لولا أن المسألة على درجة من الأهمية الحياتية بالنسبة له، فلقد رفض الحكم الذي أصدرته اللجنة الطبية الشرعية الذي قضى بتعويضه 100 ألف ريال نتيجة ذلك الخطأ الطبي، وتمسك بمبلغ العشرين مليونا لأنه وحده يدرك فداحة الخسارة التي تعرض لها، وأن ملايين الدنيا لن تعوضه ما حرم منه، وهو يضع في الاعتبار الأهمية المعنوية للفحولة.

ومما يدلل على أهمية الفحولة في المجتمع الشرقي أنها كانت المصيدة التي نصبها الأميركان لبعض الجنود العراقيين لإخراجهم من خنادقهم، فكانوا يطلقون عبر مكبرات الصوت شتائم يتهمون فيها الجنود العراقيين بالعجز، فيفور الدم في دواخل الجنود، ويخرجون من خنادقهم لمجابهة الجنود الأميركيين مهما كان الثمن، وكان ذلك جزءا من الحرب النفسية التي استخدمها الأميركان في حربهم مع العراقيين، بعد أن توصلوا إلى أن مسألة الفحولة مسألة لها حساسيتها القصوى في الثقافة العربية.

والكثيرون في المجتمع العربي يرفضون الاعتراف بفقدان الفحولة، ويرون في ذلك خدشا معنويا لهم، حتى الذين يستخدمون الحبة الزرقاء لا يعترفون بتناولها، وإذا ما ضبطت في حوزتهم ادعوا أنها هدايا لأصدقائهم، فهم يحتفظون بعلاقة سرية خاصة معها، يخفونها حتى عن عيون زوجاتهم، ويمكن للمرء في ضوء الأهمية التي تعطى للفحولة أن يتفهم مثل هذا السلوك في ظلال الثقافة السائدة والموروثة للفحولة، تلك الثقافة التي لم تجد ما تخلعه على المتميزين أهم من لقب فحل، فنقول شاعر فحل، حتى أن الأصمعي أطلق على كتابه عنوان «فحولة الشعراء»، ويشير «المنجد في اللغة» إلى أن فحول الشعراء هم الغالبون بالهجاء من هجاهم.

وعودة إلى قضية الخطأ الطبي الذي تعرض له الرجل السبعيني، فإن هذه القضية تأتي لتزيد الطين بلة، فهي تفتح صفحة نوعية جديدة في قائمة الخسائر التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في بعض المستشفيات، بعد أن كانت تقتصر الخسائر على الأطراف والحواس والأرواح.. فهل تكفي 100 ألف ريال تعويضا عن الفحولة؟

[email protected]