تكنولوجيا الروبوت: متى تألف عالمنا العربي

TT

تشهد دول العالم المتقدمة الآن، تقدماً سريعاً ومذهلاً وسباقاً محموماً في مجال تكنولوجيا الروبوت، وبدأت تدخل تقريباً في شتى مجالات الحياة اليومية، لدرجة أن بعض خبراء الروبوتات والذكاء الصناعي يتوقعون أنه خلال السنوات القليلة المقبلة سوف تصبح الروبوتات أحد اللوازم اليومية للمجتمع البشري. وقد أصبحت تكنولوجيا الروبوت الآن صناعة عالمية واعدة، تستثمر فيها حالياً مليارات الدولارات، كما أصبح مستوى تطوير الروبوتات معياراً لقياس قوة الدولة الصناعية، وستكون المنافسة اقتصادياً لمصلحة الدول الأكثر معرفة واستخداماً لتكنولوجيا الروبوت.

وعلم الروبوتات هو علم استخدام الذكاء الصناعي وعلوم الكمبيوتر والهندسة الميكانيكية في تصميم آليات، يمكن برمجتها لأداء أعمال محددة.

ويعد الكاتب المسرحي التشيكي كاريل كابيك 1890 ـ 1938)) هو اول من اخترع كلمة «روبوت» للدلالة على الإنسان الآلي، وذلك في مسرحيته «روبوتات روسوم العالمية»Rossum’s Universal Robots) » التي كتبها عام 1920، وقد اشتق كلمة «روبوت» Robot من الكلمة التشيكية «روبوتا» Robotaوتعني «العبد أو عامل السخرة «Forced labor»، ويرجع فضل أول استخدام لمصطلح «روبوتيكس» Roboticsلكاتب الخيال العلمي الأميركي السوفيتي الأصل اسحق أسيموف (1920 ـ 1992) عام 1950 ضمن مجموعته القصصية الشهيرة «أنا والروبوت»، والتي تحولت لفيلم سينمائي بنفس الاسم عام 2004.

نلاحظ حالياً اهتماما متزايدا ومتسارعا بتكنولوجيا الروبوت في الدول المتقدمة، خاصة في المجالات العسكرية، حيث نجد توجهات قوية في الدول المتقدمة نحو الاهتمام بعلوم الروبوتات والذكاء الصناعي، وما يرتبط بها من علوم أخرى مثل النانوتكنولوجي والالكترونيات الدقيقة، وإنشاء العديد من المراكز العلمية والبحثية المتقدمة في أبحاث الروبوتات والإنفاق المتزايد على أبحاث تطوير الروبوتات، وكذلك ما نلاحظه حالياً من تشجيع للشركات والمصانع الكبرى العالمية للاستثمار في مجال الروبوتات، والمؤتمرات العلمية العالمية المتزايدة حول تكنولوجيا الروبوتات وآفاقها المستقبلية الواعدة، الى جانب تشجيع المعرفة بثقافة الروبوتات من خلال المناهج الدراسية وبرامج الثقافة والتوعية العلمية المتزايدة، الى غير ذلك من مظاهر الاهتمام بتكنولوجيا الروبوتات لإدراكها لأهمية الدور الواعد الذي ستلعبه في الحاضر والمستقبل، لهذا ليس غريباً أن تأتي جميع الاختراعات والتطورات الروبوتية ـ التي تطالعنا بها وكالات الأنباء يومياً ـ من الدول المتقدمة.

رغم كل هذا الاهتمام والتوجهات العالمية المتزايدة بتكنولوجيا الروبوت، الا أننا لا نجد لها صدى في عالمنا العربي، فما زالت تكنولوجيا الروبوت وتطوراتها وآفاقها الواعدة غير مألوفة في عالمنا العربي، فمازلنا نعاني من القصور الشديد في الأخذ بمقومات تطبيق تكنولوجيا الروبوت، كما أن الثقافة الروبوتية في عالمنا العربي تكاد تكون معدومة، ورغم أن الروبوتات لم تعد تدخل ضمن باب الخيال العلمي، الا أن أفكار البعض في عالمنا العربي عنها لا تزال أقرب لأفلام وتصورات الخيال العلمي.

ولكن ينبغي أن نشير هنا الى بعض التوجهات المتنامية في عالمنا العربي نحو الاهتمام بتكنولوجيا الروبوت، وبخاصة في السعودية، حيث نجد اهتمام النوادي العلمية السعودية المتزايد بنشر ثقافة الروبوت، مثل نادي جدة للإبداع العلمي الذي تأسس في صيف عام 2006، ويهتم بتشجيع ونشر الثقافة الروبوتية، من خلال تأهيل المعلمين وتدريبهم بشأن التعامل مع الروبوت، وكذلك تأهيل الطلاب وإعدادهم للتعامل مع تكنولوجيا الروبوت، من خلال تقديم العديد من البرامج والأنشطة والمسابقات الروبوتية، وقد قام النادي أخيرا بإطلاق المسابقة المركزية الأولى لعلوم الروبوت على مستوى كافة مناطق المملكة، وكذلك نادي الروبوت بمركز خدمة المجتمع بالجبيل، الذي يقوم بدعم الأنشطة الروبوتية، وكل هذا بهدف تنمية النواحي الإبداعية والابتكارية لدى الطلاب وتحفيزهم وإعدادهم للدخول في المنافسات العلمية العالمية حول الروبوتات، ومن ثم إثراء المجتمع بالابتكارات في هذا المجال الواعد، وقد طالعتنا بالفعل وكالة الأنباء السعودية العام الماضي بخبر عن تمكن باحثين في جامعة الملك فهد، من ابتكار أول روبوت سعودي، يمكن استخدامه في الأماكن التي يصعب على الإنسان الوجود فيها، مثل أعمال الصيانة في أعماق البحار والعمليات الجراحية المعقدة، كما نلاحظ أيضاً أن السعودية أدخلت بالفعل تكنولوجيا الروبوت في المجال الطبي، فقد تم إجراء العديد من العمليات الجراحية الناجحة باستخدام الروبوت في تخصصات جراحية مختلفة، وأيضاً من التوجهات العربية للاهتمام بتكنولوجيا الروبوت إنشاء «الجمعية العربية للروبوتات» ومقرها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية، والتي تقوم بنشر ثقافة الروبوت بين الطلاب وتنظيم المسابقات العربية لتصنيع الروبوتات، بهدف تنشيط صناعات الروبوتات في العالم العربي، ومتابعة التقنيات المتقدمة في هذا المجال الواعد. وكذلك تأسيس «مركز الروبوت الكويتي» عام 2002، بهدف ترسيخ ونشر تكنولوجيا الروبوت بين أبناء المجتمع الكويتي، وفي دولة الإمارات نجد «اولمبياد الروبوتات المحلي» بين طلاب المدارس في مجال تصميمات الروبوتات واختبار المهارات الهندسية لطريقة عمل هذه التصميمات، بهدف تنشيط الإبداع لدى الطلاب حول التقنيات الحديثة في اختراع وتصميم الروبوتات، واختيار أفضل الفرق لتمثيل الإمارات عالمياً.

كل هذه الجهود العربية المتنامية الواعدة في مجال الاهتمام بتكنولوجيا الروبوت، تدعو الى دراسة وافية متعمقة للخلفية التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية للدول العربية، والتعرف على الروبوتات المتاحة حالياً في الأسواق لاختيار المناسب منها للتطبيق، مع التأكد من المقدرة العلمية على استيعاب المشاريع الروبوتية، من حيث القدرة على التركيب والصيانة والتدريب ومراعاة جانب الأمان والسلامة عند الاستخدام، مع دراسة المميزات التي تتصف بها الروبوتات المراد استخدامها في عالمنا العربي.

وخلاصة القول ان هناك ضرورة قصوى الآن للاهتمام ببحوث الروبوتات والذكاء الصناعي، ومتابعة التطورات الواعدة في هذا المجال الواعد، بهدف تنشيط صناعة الروبوتات في عالمنا العربي، ففي ظل اقتصاديات السوق والعولمة والمنافسة الدولية يصبح استخدام الروبوتات في الصناعة ضرورة حتمية، حيث ستؤدي لظهور صناعات وخدمات جديدة تتطلب عمالة عديدة، وقد يعتقد البعض أن استخدام الروبوتات في الصناعة، قد يكون له نتائج سلبية، بل على العكس ففي بعض الصناعات كالسيارات مثلاً، سيؤدي عدم استخدام الروبوتات لتقليل التنافس، وكساد الصناعة وتهديد العمالة.

لهذا فهناك ضرورة للاهتمام بالتعليم الصناعي والفني القائم على أحدث تكنولوجيا العصر، وما يرتبط به من علوم حديثة مثل الروبوتات والذكاء الصناعي والنانوتكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية والميكانيكية الدقيقة، حيث يتوقع العديد من الخبراء بأنه في الألفية الثالثة، سوف تحل الروبوتات محل الإنسان في مختلف مجالات الحياة، وسوف تستغني المصانع والمؤسسات والشركات عن العمال والموظفين غير المهرة الذين لا يتقنون فنون تشغيل وإدارة أجهزة الروبوتات، وبكفاءة تعادل كفاءة هذه الأجهزة، من حيث السرعة والدقة والجودة، لهذا تعطي الدول المتقدمة أهمية كبرى للتعليم الصناعي والفني، لهذا فهناك ضرورة في عالمنا العربي للتوسع في انشاء مراكز ومدارس وكليات التعليم الصناعي والفني وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها، وتعديل المقررات التقليدية الحالية واستبدالها بأخرى حديثة تتناسب مع اتجاهات وعلوم العصر الحديثة الحالية.

وأخيراً قبل أن تغزو الروبوتات منازلنا، هناك ضرورة عاجلة لإعداد أبنائنا للثورة الروبوتية الواعدة، من خلال التوسع في نشر ثقافة الروبوت من خلال إدخال علوم الروبوت والذكاء الصناعي في مدارسنا وجامعاتنا، وكذلك التوسع في نشر المراكز والنوادي العلمية، وذلك لتأهيل أبنائنا للتعامل مع الروبوتات ومتابعة التطورات السريعة المتقدمة في هذا المجال، مع الاهتمام بأدب الخيال العلمي الذي يعد من المداخل الضرورية لتنمية الثقافة العلمية، ولا يجد الاهتمام الكافي في عالمنا العربي، رغم أن كلمة «روبوت» وردت أولاً في أعمال وكتابات الخيال العلمي، بهدف تنشيط خيال أبنائنا وإعدادهم للتعامل والتفاعل مع تكنولوجيا الروبوت، ومن ثم ابتكار روبوتات عربية تألف عالمنا العربي، وتساهم في حل ومعالجة بعض المشاكل والقضايا التي نواجهها.

* باحثة مصرية

في الشؤون العلمية