ملطشة!

TT

عندما يختفي مقام كبير القوم، فعليك أن تخاف منهم وتخاف عليهم، وقالوا قديما «إن الذي لا كبير له يستأجر لنفسه كبيرا»، وهذا الحال ينطبق وبامتياز على الوضع في لبنان، فمع تطاول الزعيم الماروني سليمان فرنجية على زعيم الطائفة الروحي البطريرك نصر الله صفير بشكل مليء بالسخرية والتحقير والاستهزاء، ولم يراع فيه مكانة الرجل الدينية، ولا حتى مقام العمر وفي لحظة تناسي الأدب والاحترام المطلوب لأشخاص بهذا الوضع، ناعتا إياه بصفات شديدة البشاعة وفي غاية الهمجية.

ولم يتوقف المشهد البائس الحزين عند ذلك، ولكن طال التطاول رمز لبنان الباقي السيدة فيروز، وهي الإنسانة التي ترفعت عن كل الشعارات والنزعات السياسية، التي حاولت توظيف شعبية ومكانة هذه السيدة العظيمة لصالح مشاريع سياسية محددة بدون أي نجاح. فالسيدة فيروز تتعرض اليوم لحملة غريبة، تطلب منها عدم الغناء في دمشق وعدم تقديم مسرحيتها «صح النوم»، ضمن احتفالات العاصمة السورية باختيارها عاصمة للثقافة العربية.

فيروز ليست ملكا لأحد، وكذلك دمشق ليست ملكا لأحد، ولا يمكن إدراج هاتين القامتين العظيمتين ضمن الخلافات السياسية الشخصية، والحمقى في الطرفين بغباء غير مسبوق نجحوا في تحويل الخلافات السياسية، الى عداء بين شعبين يمتلكان تاريخا موحدا واحدا مهما قدمت التبريرات للاقناع بغير ذلك.

فيروز، التي نزح أبوها الى لبنان من القدس أو من حلب (وهما أرجح الروايات لمعرفة أصول فيروز)، استقرت وغنت للعالم العربي وللبنان ولفلسطين ولسورية، كما لم يغن أحد من قبلها، وكانت دوما على الحياد العقلاني مبقية على الدوام على شعرات معاوية، وليست فقط شعرة واحدة. وعليه فإن من المدهش أن يطل على الناس من ينظر ويحاضر عما يجب أن تفعله فيروز، ويقدم النصائح والعظات، وهم الذين تتغير مواقفهم مثل تغير عقارب الساعة في اليوم الواحد بانتظام ودقة. حتى فيروز لم تعجب اللبنانيين؟ إنها حقا مهزلة! فلن يكون مستغربا أن تخرج أبواق جديدة تطالب بإزالة شجرة الأرز من الغابات اللبنانية، لأنه بدون ثمار صالحة ويحتل مساحة لا داعي لها، وأنه أيضا يجب الخلاص من نهر الليطاني، لأن مياهه غير صالحة للشرب، وأن صخرة الروشة ممكن تفجيرها والاستفادة منها كمادة خرسانية، دعما لمشاريع النماء والتعمير والإنشاء، بدلا من بقائها هكذا من دون فائدة تذكر، وغير ذلك من النصائح المستحيلة.

لبنان تحول إلى مجاميع «ماسوشستية» وهي وصف نفسي لمن يهوى ويعشق، ويتلذذ بتعذيب الذات. رموز لبنان تتساقط الواحد تلو الآخر، ليس فقط بالقتل والدماء، ولكن بالتطاول، وهذا هو موت بطيء لا يقل إيلاما، واللوم يقع في المقام الأول على اللبنانيين أنفسهم.

[email protected]