الطريق إلى الهدف طويل.. ويجب أن يكون طويلاً.. وهو صعب، ويجب أن نصبر عليه.. وإلا فلن ننجح في أي علم أو فن!
هل تعرف ما الذي تتعلمه راقصة الباليه قبل أن تحرك ساقيها؟ ليس الرقص ولا نط الحبل.. ولا الوقوف على أطراف أصابعها، ولا أن تدور حول نفسها كأبواب الفنادق.. وإنما أول شيء هو أن تتعلم كيف تتنفس.. كيف تسحب الهواء وكيف تحتفظ به.. ثم كيف تزفره بحساب!
هل تعرف ما الذي يتعلمه الطالب ليكون مطرباً؟ ليس الغناء ولا ضغط الأدوار والطقاطيق.. وإنما أول شيء يتعلمه هو كيف يطلق أصواتاً بلا حروف.. ينطق كلمات بلا معنى.. وبعد ذلك يتعلم كيف يسمع قبل أن يسمعه الناس!
ولكي يتعلم الإنسان الكتابة يجب ألا يكتب هو.. ولكن أن يقرأ أولاً.. وأن يقرأ ثانياً.. وأن يستمتع بما قرأ ثالثاً، وأن يكتب بعد ذلك.. فلكي تكتب يجب أن تقرأ ما يكتبه الآخرون.. ولكي ترسم يجب ان تتفرج على ما يرسمه الآخرون.. وبعد ذلك على تجاربه.. والشمس لا تعلمنا أبداً كيف نرسمها.. ولكن لوحات الفنانين هي التي تعلمنا كيف نرسم الشمس.. والأهرامات لا تعلمنا كيف نرسمها، ولكن لوحات الفنانين هي التي تعلمنا كيف نمسك الفرشاة وكيف نخلط الألوان وكيف نراعي النسب.. ومن هذه اللوحات نتعلم معاني الجمال وأصول الفن!
ولكي يكون الإنسان فصيحاً بليغاً لا يبدأ يتكلم ليلاً ونهاراً لنفسه ولغيره.. وإنما يبدأ يتعلم كيف يستمع للآخرين.. ويدرك بحرص وانتباه كيف ينطقون، وكيف يعبرون عن أنفسهم.. فالمتكلم الفصيح هو الذي استمع إلى الآخرين طويلاً. ثم تكلم بعد ذلك!
فكل شيء له أصول.. وهذه الأصول مثل البذور بعيدة وعميقة.. لأنها بعيدة، فالطريق الذي يبدأ منه طويل وشاق وكثيرون تعبوا في أوائل الطريق، وفي منتصف الطريق.. ولكن الإنسانية تدين بتقدمها لكل الذين بدأوا بالتنفس.. بدأوا من البداية وصبروا حتى النهاية!