جولة بوش.. من هو الرابح الأكبر؟

TT

خطاب جورج بوش في أبوظبي يوم الأحد 13 يناير (كانون الثاني) كان الأكثر أهمية من بين خطاباته خلال زيارته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط. كان الخطاب بمثابة رسالته الرئيسية إلى العالم والمنطقة. وأود هنا التركيز على الفقرة الأخيرة من ذلك الخطاب.

مقتبسا من حكم أمين الريحاني على الشرق والغرب، قال جورج بوش: «بالنسبة لغالبية العالم، لا يوجد رمز أكثر عظمة لأميركا من تمثال الحرية، الذي صممه رجل سافر كثيرا في هذا الجزء من العالم وتخيل في الأصل امرأة تمسك كشافا ضوئيا وتقف قبالة قناة السويس. نصب التمثال في نهاية الأمر في نيويورك، حيث بات مصدر إلهام لأجيال من المهاجرين؛ من بينهم شاعر وكاتب يدعى أمين الريحاني. تساءل عندما نظر إلى الكشاف الضوئي الذي تحمله عاليا ما إذا من الممكن إقامة تمثال في أراضي أسلافه العرب، وقال: متى تديرين وجهك صوب الشرق أيتها الحرية؟».

أنا متأكد من أن بوش لا يعرف شيئا عن الريحاني، وإذا درس آراءه، فانه سيجدها شيئا مختلفا تماماً.

يعتقد بوش ان الولايات المتحدة مركز للديمقراطية والحرية، لذا فهو يحاول تلقيننا بعض الدروس الاميركية. وكانت وزيرة خارجيته قد صرحت بأن الديمقراطية أكثر أهمية من الاستقرار.

أولا، يبدو ان جورج بوش وإدارته في موقف ضعف، ويقول صحافيون اميركيون ان بوش ضعيف. فقد أشار محللون اميركيون في المقالات التي كتبت عقب زيارة بوش لمنطقتنا إلى ان هذه الزيارة جاءت بلا تخطيط، وأنها متأخرة.

أود في هذا المقال ان أركز على الأبعاد الثقافية والاجتماعية لزيارة الرئيس الاميركي لمنطقة الشرق الأوسط. وهذا يتضمن اقتباسه من الريحاني، اضافة الى ان دروس الديمقراطية والحرية التي كان يريد إلقاءها علينا ينبغي ان تُدرس.

أبدأ باقتباسات من بعض المقالات التي كتبها الريحاني وترجمت في الآونة الأخيرة إلى اللغة العربية. عنوان الكتاب «جادة الرؤيا: مقالات نقدية حول الشرق والغرب».

يقول الريحاني: «يا جاري! ذهبت إلى اميركا بمحفظة فارغة، وعدت منها، وا حسرتاه، ليس بمحفظة ملآنة، بل بلا محفظة!» (ص: 71، مقالة «من مدينة كونكورد إلى سوريا»)

يعتبر الريحاني الشرق بمثابة روح والغرب بمثابة مادة. كما انه لا يعتقد اننا ـ نحن أهل الشرق ـ يجب ان نأخذ المعنى الحقيقي للحرية من الغرب.

وعلى نحو يشابه ما ذهب إليه الريحاني يعبّر إقبال لاهوري ـ المفكر الباكستاني البارز ـ عن آرائه تجاه الشرق والغرب في كتاباته. ولديه كتاب معروف بعنوان «سكان الشرق: ماذا يجب ان نفعل؟».

يقول لاهوري: «الشرقيون لا يشربون ولا قطرة في حانة الغرب. إذا شربت قطرة من نبيذهم، فسيكون مصيرك الموت!».

لدي دليل مهم على هذه الحجة. كما هو معروف، كانت لنظام الشاه علاقات وثيقة مع أميركا. في عام 1953 دبرت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أي) انقلابا ضد حكومة الدكتور مصدق. وخلال الفترة من عام 1953 حتى عام 1979 كان الشاه ونظامه تحت رعاية الولايات المتحدة. وأورد الشاه في مذكراته التي نشرت عقب مغادرته إيران، انه «فعلَ كلَّ شيءٍ أمره الاميركيون بفعله». الثورة الإسلامية في إيران جاءت كرد فعل طبيعي للإيرانيين تجاه الولايات المتحدة. لعله من الغريب ان يوجه بوش حديثه مباشرة إلى الإيرانيين قائلا: «إلى الشعب الإيراني: إنكم تتميزون بالثراء في الثقافة والمقدرات والمواهب. لديكم الحق في العيش تحت ظل حكومة تستمع إلى رغباتكم وتحترم قدراتكم وتسمح لكم ببناء حياة أفضل لأسركم. للأسف، حكومتكم تحرمكم من هذه الفرص وتهدد سلام واستقرار جيرانكم. لذا، نناشد النظام في طهران أن يحترم إرادتكم وأن يصبح مسؤولا أمامكم. سيأتي اليوم الذي تكون فيه للإيرانيين حكومة تلتزم جانب الحرية والعدالة وتنضم إيران إلى ركب الدول الحرة. عندما يأتي ذلك اليوم ستكون الولايات المتحدة أفضل صديق لكم».

كانت حكومة مصدق حكومة وطنية، وكانت رمزا للديمقراطية والحرية والاستقلال. من الذي دمر رغباتنا وأحلامنا بالحرية والديمقراطية؟

جدير بالذكر هنا ان مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، كانت قد اعترفت بالدور السلبي والفاعل للولايات المتحدة في إيران، وذلك في خطابها الشهير حول إيران. وقد اعتذرت أولبرايت، أو اعترفت في الأقل بالتدخل السابق للولايات المتحدة في إيران، بما في ذلك تعاونُ وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في إطاحة رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953. إسقاط حكومة مصدق هو الذي أدى إلى سيطرة الشاه خلال حقبة حكمه التي امتدت حتى عام 1979.

والسؤال الآن: عندما نأخذ في الاعتبار هذه التجربة المريرة، كيف يمكن ان يقبل الإيرانيون الولايات المتحدة صديقا عاديا لهم؟

يزعم بوش أن الولايات المتحدة ستكون أفضلَ صديقٍ لإيران، ولكن هذا مجرد زعم. أفضل أصدقاء إيران والحقيقيين منهم؛ دول الشرق الأوسط. إلا أن الولايات المتحدة تخلق باستمرار مشاكل بين دول المنطقة.

عندما توثق أي حكومة علاقاتها بأميركا، فإن كوارثها الداخلية تزداد. انظروا إلى باكستان، على سبيل المثال، ماذا حدث في باكستان؟ برزت تصريحات بأن الولايات المتحدة تفكر في إرسال قوات لمساعدة القوات الباكستانية في مناطق مثل بيشاور، إلا أن مشرّف سَخَرَ من الفكرة. وتكشف هذه الفكرة ان باكستان تواجه كارثة حقيقية هناك.

يقول الشاعر الإيراني المشهور حافظ: من جرب المجرب.. حلت به الندامة.

عزيزي بوش.. وصفك الصحافيون الأميركيون بالبطة العرجاء، وينظر صحافيون بريطانيون، مثل سايمون جينكينز، إلى زيارتك إلى منطقة الشرق الأوسط كونها بلا مبادئ أو خطة، وان الرابح الاكبر منها طرف واحد. هل تعرف من هو هذا الرابح الاكبر؟

يقول جينكينز ان الكاسب هو الرئيس أحمدي نجاد. فإيران مقبلة على انتخابات برلمانية، وكالعادة كان خطابك بمثابة فرصة ذهبية للمحافظين.

من قراءة اقتباسك من الريحاني، اعتقد ان تمثال الحرية ظل ينظر إلى الشرق على مدى أكثر من قرن.. أطلب منه ان يدير رأسه ناحية الغرب!