رهائن غزة: مسؤولية من؟

TT

ببساطة ألقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مسؤولية الوضع المأساوي الذي وصلت اليه غزة، على الدول العربية مستخدما لغة تحريضية للشعوب ضد حكوماتها، من دون ان يكلف نفسه طرح ولو مجرد سؤال عن مسؤولية حركة حماس التي تسيطر حاليا على القطاع ولا تعترف أي دولة عربية بمشروعية سلطتها في وصول الاوضاع الى هذا الحد المتدهور.

سكان غزة اصبحوا بالفعل رهائن في سجن كبير، اوضاعهم المعيشية تتدهور بشكل لا انساني مع نفاد الوقود المخصص لمحطات الطاقة وشحة المواد الغذائية ناهيك عن البطالة المتفاقمة منذ زمن طويل، وهم اسرى وضع لا يستطيعون التحكم فيه ولا يستحقونه، فمن جهة هناك حكومة محلية لا تستطيع ان تقدم لهم شيئا سوى مطالبتهم بالدعاء لفك الحصار.

المفارقة انه كما ألقت حماس مسؤولية الوضع في غزة وهي اصلا المتسببة فيه على الدول العربية رافعة مطالب عبثية مثل اتخاذ قرار عربي ملزم لمصر بفتح حدودها وكأنه بلد بلا سيادة ولا سلطة، ولا اتفاق حول المعابر موقع مع السلطة الفلسطينية واطراف دولية لا تستطيع أي دولة تحترم نفسها ان تلغيه ببساطة هكذا لان زعماء حركة هي مجرد ميليشيا في النهاية يريدون ذلك.

كما ان اسرائيل هي الاخرى نجحت في التخلص من مشكلة الشريط الضيق المكتظ بالسكان والذي كان يمثل صداعا امنيا لها وفصلته عمليا عن الضفة واغلقت الباب عليه. واصبح اهالي القطاع هناك رهينة لوضع لا يحتمل واسرائيل لديها حجتها وهي اوقفوا الصواريخ نرفع الحصار بينما الصواريخ المحدودة التأثير لا يعرف احد من يتخذ قرارها وما اذا كانت حماس نفسها تستطيع ان تسيطر على الميليشيات المتعددة الاجندات والتي تتنافس مع بعضها في اثبات نفسها.

كما اصبحت اسرائيل تستطيع ان تماطل في مفاوضات السلام واستحقاقاته بدعوى ان الفلسطينيين منقسمون والسلطة التي تتفاوض نيابة عنهم لا تسيطر على غزة بينما الاتهامات تتطاير فلسطينيا عن خطط ومؤامرات الاغتيال.

وقد قرأت الدول العربية ملامح الكارثة منذ البداية عندما تفجر الخلاف بالسلاح بين حماس والسلطة الفلسطينية في غزة وطردت الحركة رجال السلطة وسيطرت على المؤسسات، النتيجة المتوقعة لهذا الوضع وحاولت عبر جهود حثيثة كان ابرزها اتفاق مكة ان تصل الى حل يعيد الوحدة الفلسطينية والشرعية المقبولة دوليا واقليميا الى غزة، لكن يبدو ان الاجندة لم تكن فلسطينية صرفة فللأسف اصبح الوضع هناك رهينة صراعات اخرى اكبر خاصة بقوى اقليمية وأصبح اهالي غزة مجرد ورقة اخرى في هذه الصراعات التي لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.

وجزء كبير من المسؤولية في اشعال الوضع يقع على عاتق اسرائيل باعتبارها قوة الاحتلال المستمرة في هجماتها واجراءتها التي تجعل حياة الفلسطينيين صعبة، لكن هناك مسؤولية ايضا على الطرف الاخر الممثل في حماس والتي يتوجب عليها طالما انها تحكم الان ان تراعي مسؤوليتها تجاه السكان ولا تورطهم في استفزازات ومعارك تعرف مقدما انها خاسرة، الا اذا كان الهدف هو تصدير الفوضى وتوريط الاخرين لخدمة اجندات الاطراف الحقيقية التي تمسك بخيوط مسرح العرائس.

واذا كانت هناك رغبة وإرادة حقيقية في ايجاد مخرج حقيقي وليس مؤقت يستمر ايام ثم ينفجر الوضع مجددا فان القرار يجب ان يكون فلسطينيا صرفا وحسب المصلحة الفلسطينية، وان يتم انهاء هذا الوضع الشاذ المتمثل في وجود حكومتين في غزة ورام الله لتكون هناك حكومة واحدة وبسياسة واحدة يلتزم بها الجميع وتستطيع ان تتفاوض باسم الجميع.