حصان إبليس

TT

أهلكني وطفشني بمزاحه الثقيل. فزفرت بوجهه قائلاً: يا ليت أبوك أمرح.

لم يفهم أمنيتي هذه، ففسرتها له قائلاً: إن معناها أنني كنت أتمنى لو أن والدك لم يطارح والدتك الغرام في تلك الليلة الغبراء التي خرجت فيها أنت من ظهره لتستقر في رحمها بكل غشامة، انه كان أبرك لوالديك وللعالم أجمع لو لم تأت إليه وأنت على هذه الشاكلة الثقيلة. باختصار يا ليت والدك في تلك الليلة (كبّر مخدته)، وأدار ظهره لوالدتك وراح في سبات عميق.

لم يتأثر من كلامي، والدليل على ذلك انه ازداد بمزاحه السمج الذي لم يعد مقتصراً على الألفاظ وإنما تطور إلى مد الأيادي كذلك، وهذا ما لا أقبله إطلاقاً. وبدأت أفقد أعصابي، ضقت به ذرعاً، فعلاً ضقت به وبالمكان وبالزمان الذي جمعني به، ومن نكد الدنيا أنني لا أستطيع السيطرة عليه، ولا أملك أية وسيلة تردعه وتوقفه عند حده، لهذا لجأت إلى اضعف الإيمان الذي يتلخص بالدعاء والأماني، رغم أنني اعرف أنها وسيلة العاجز، ولكن ما باليد حيلة.

فقلت له من أعماق قلبي: يا ليتك في هذه اللحظة تتحول إلى شيخ بقدرة قادر، وبغمضة عين إلى (حصان إبليس).

فضحك من أمنيتي الساذجة وغير المتوقعة التي قذفتها بوجهه.

فسألني متعجباً ومتهكماً: ما هو ذاك الحصان الخرافي العجيب ؟!

ـ انه حشرة تتغذى على اللحوم، والذكر أصغر بثلاث مرات من الأنثى.. وإذا أراد أن يطارحها الغرام مثلما طارح والدك أمك.. أول ما تفعله الأنثى مع ذلك الذكر أن تسمح له بأن يلتصق بها جيداً، وعندما تتأكد أن كل الأمور تسير على أكمل وجه.. تستدير عليه وأول ما تقبض عليه تقبض على عنقه، ثم تلتهم رأسه كاملاً.

والغريب أن ذلك الذكر التعيس يستمر في تلقيح الأنثى لعدة ساعات وهو من دون رأس ـ كيف؟!، لا ادري ـ، وبعد أن تقضي تلك الأنثى الشرسة وطرها منه، تلتهم بقية جسمه.

والذكر من هذه الفصيلة شبه محروم، فهو لا يجامع الأنثى إلاّ مرّة واحدة في حياته وهي الأولى والأخيرة، وفوق ذلك هو (مأكول).. وينطبق عليه المثل المتداول: «رضينا بالهم والهم ما رضي بينا».. أما الأنثى فتستمر في غيها وطغيانها، فتقضي في حياتها على عشرات الذكور، بمعدل ذكر في كل شهر.. ولا استبعد، بل إنني على يقين أن بعض إناث البشر غير الطبيعيات يتمنين لو كن من إناث (حصان إبليس).

استاء من أمنيتي الأخيرة هذه، وقال لي: لم أتصور انك حاقد عليّ إلى هذه الدرجة، ولو أن زوجتي عرفت ما يعتمل في صدرك تجاهي لكان لها موقف عدائي منك، فنحن لسنا حشرات، إننا أناس لنا وزننا واحترامنا، ولدينا صبيان وبنات نريد أن نربيهم ونفرح بهم. عرفت من كلامه أنه ترك المزح وتحول إلى الجد، وهذا هو أقصى ما أتمناه. اعتذرت له قائلاً كي ألطف الجو: انه لا مانع لدي أن أتحول أنا إلى (حصان إبليس)، ولا مانع عندي أيضاً أن (تقطم زمارة رقبتي) إحدى الإناث (المغلوثات).

على أمل أن أتحول بعد ذلك إلى شهيد تتخاطفه فيما بعد الحور العين إن شاء الله.