والجدار إن هوى

TT

يقول العقيد معمر القذافي في كتابه الاخضر إن البرلمانات بجميع اشكالها خدعة يجب مقاتلتها. ويعتبر الرئيس نبيه بري نفسه أحد ألد خصوم القذافي، لكنه اختار من «الكتاب الاخضر» هذه النصيحة الغالية واغلق أحد أقدم برلمانات العالم العربي منذ اكثر من عام. والمشكلة ان احداً لا يصدق ان القرار هو قرار نبيه بري. فلماذا يغلق صاحب البرلمان برلمانه؟

فالرجل على كثير من الدبلوماسية وكثير من الذكاء وفائض من اللماحة. ولا يمكن، في اي حال من الاحوال، ان يكون الشخص نفسه هو الذي اجل انتخابات الرئيس في لبنان 14 مرة ويستعد لتأجيلها 14 مرة اخرى. على الاقل.

هذا لا يعني ان نبيه بري اقرب الى الاكثرية منه الى المعارضة. وانا واثق في داخلي انه اقرب الى نفسه والى بيئته والى المدرسة العائلية التي نشأ فيها. ولا علاقة لتلك المدرسة الجنوبية اللبنانية بما يفرضه نبيه بري على نفسه وعلى البرلمان وعلى لبنان. هذه هي عملية خطف سياسي تفوق ما يمكن احتماله تاريخ اي زعيم وطني في لبنان، سواء كان الحق مع الاكثرية او الاقلية. فلا عدل في الارض يعطي رئيس المجلس النيابي الحق في اغلاقه. ولا دستور. ولا قانون. ولا اجتهاد. ولا فذلكة. ولا سابقة.

مأساة نبيه بري، الذي يرأس اتحاد البرلمانات العربية، وكلها مغلقة، بشكل او بآخر، وجميعها واحدة، بشكل او بآخر، وكلها ـ دون استثناء ـ هرطقة مضحكة وفاقعة في الحياة البرلمانية واصولها وضوابطها ـ مشكلة نبيه بري انه اذا اتجه يميناً خسر، واذا مال يساراً خسر، واذا بقي حيث هو خسر نفسه. لذلك يفضل ان يخسر قليلاً في اليسار وقليلاً في اليمين على ان يخسر الخسارة الكبرى، حيث يضطر الى القيام بدوره الدستوري والوطني والبديهي الطبيعي الالزامي، وهو ترك باب البرلمان مفتوحاً حتى لو شرع معه باب الحرب.

نبيه بري قرر امام هذه المعضلة ان يظل هارباً الى الامام. ففي اللحظة التي يتوقف فيها عن تحريك دراجته، تسقط هي ويقع هو. ولا يعرف الى اي جانب. وفيما الدراجة سائرة بسرعة مقلقة يجد دائماً ما يقوله، على جانبي الطريق. احياناً كلام له معنى واحياناً كلام غير مسموع وغير مفهوم.

وفي نهاية الامر قرر ان يدعو مجلس الجامعة العربية للاجتماع مرة اخرى وتفسير المجاورة العربية من جديد وكأن المجلس لجنة من لجان البرلمان اللبناني. وظن انه بذلك سوف يجبر عمرو موسى على ان يضرب رأسه بالحائط. لكن عمرو موسى حمل رأسه بيديه وقال، حسناً، فلننتظر اجتماع المجلس الوزاري العربي!

وهذه هي كل المسألة اللبنانية يا مولاي. كل واحد يحمل جداره على كتفيه ويناطح به. ويخشى ان هو تحرك قليلاً ان يسقط الجدار عليه.