الكساد القادم .. أين اختفى السياسيون؟

TT

أين جميع السياسيين الذين يقولون الآن «اسرعوا، عالجوا الوضع !» بشأن الكساد عندما تهدد الفوضى الاقتصادية؟ انتم تعرفون الجواب. كان معظمهم يركزون على قضايا اخرى. والآن بدأ التباطؤ وقد يكون من المتأخر ان نقلل من بعض آثاره.

وذلك هو واحد من الأسرار بشأن السياسة الاقتصادية: الاستجابة للأزمة غالبا ما تكون متأخرة. ونتيجة لذلك، فإن التلكؤ في السياسة غالبا ما يكون له أثر داعم للدورة الاقتصادية، أي صفقة محفزات تنشط الاقتصاد، بعد أن يبدأ الانتعاش، أو خفض في أسعار الفائدة يشجع على المزيد من الاقراض. وما يثير الغضب ان المشاكل في سوق العقارات كانت واضحة للجميع قبل وقت طويل من تسجيلها لدى عباقرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة. والحقيقة ان ذلك هو سبب اتجاهنا الى الكساد، لأن المستهلكين ومديري المشاريع ادركوا في الخريف الماضي، ان هناك شيئا ما جديا خارج الاطار الرسمي في قطاع العقارات، وبدأوا تقليص انفاقهم واستثماراتهم. والنتيجة هي النموذج الذي نراه الآن لانخفاض مبيعات التجزئة وارتفاع ارقام البطالة. وإليكم ما قاله بن بيرنانكي، الرئيس الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، عندما كانت هناك علامات تنذر بضغوط في القروض العقارية: «نتيجة المشاكل في قطاع القروض بدون ضمانات في سوق العقارات الأوسع يحتمل ان تكون محدودة». ومن المؤسف ان ذلك ليس الجواب السليم. ورأى المتعاملون في «وول ستريت» صعوبة قادمة في مجال العقارات وكان الأذكياء منهم قادرين على الاستفادة من ذلك. وفي الأسبوع الماضي قدمت «وول ستريت جورنال» صورة قلمية عن مدير صندوق استثماري اسمه جون بولسون حصل على ما يتراوح بين ثلاثة مليارات الى أربعة مليارات دولار خلال العام الماضي، مراهنا على أن الهيكل المهتز لقروض العقارات بدون ضمانات سينقلب. ونقل عن بولسون قوله لأصدقائه وهو ينظر في اختلال التوازن في الاقتصاد الأميركي عام 2005 «هذا جنون. أين الفقاعة التي يمكن أن نستثمرها ؟». كذلك اعترف غولدمان ساكس بأن هناك مشاكل في سوق العقارات. ففي أواخر عام 2006 قرر ديفيد فينيار مدير غولدمان المالي، أن يقلص البنك من استثمارات القروض العقارية، وبدلا عن ذلك شراء عقود تأمين من أجل الحماية من أي خسائر أخرى. بل حتى الصحفيون شاهدوا أن الأزمة في سوق العقارات قادمة. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2005 كتبت كريستين داوني، التي كانت تغطي شؤون العقارات آنذاك في صحيفة «واشنطن بوست»، مقالا عنوانه: «الإجهاد في مجال القروض العقارية لعام 2006 يرى كإهمال في مجال منح القروض بلا ضمانات، وينظر إليها كأنها نتوء كما يقول التقرير». واستمرت في كتابة تحذيرات حول الفوضى الناجمة عن منح عقود بلا ضمانات خلال عام 2006. والآن راح أعضاء الكونغرس الديمقراطيون يتصادمون مع إدارة بوش حول حجم وشكل رزمة الطوارئ المحفزة لتقيل الضرر الناجم عن الكساد القادم، مع مرشحي الرئاسة وهم يقدمون نصائحهم من الأجنحة. ويذكرني ذلك بإعصار كاترينا، الذي ترتب عنه إجراءات هائلة بعد الكارثة، لكن لم تتخذ أي إجراءات احترازية قبل وقوعه.

جاء بعض الاقتصاديين بنظرية تفسر هذا الميل إلى تأجيل اتخاذ أي إجراء حتى وقوع الكارثة ثم يبدأ الصراخ للعمل. ففي دراسة عنوانها «المماطلة ونفاد الصبر»، نشرها «المكتب القومي للبحوث الاقتصادية» في ديسمبر الماضي، جاء ما يلي: «تدعم نتائجنا الفرضية القائلة إن المسؤولين الذين يفضلون القيام بعمل طارئ مباشرة هم الأكثر تماطلا» قبل وقوع الأزمات.

لذلك فإن عمليتنا السياسية هي ماكينة نصف معرقلة. ويريد سياسيونا عملا مباشرا، لكن ذلك بعد تأجيلهم للقيام بأي شيء لفترة طويلة. ويريد رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، أن ينثر المال على الاقتصاد، لكن ذلك بعد أن أصبح مسؤولو البنوك متأزمين جدا وغير راغبين في تقديم قروض. ومع هذا الأمر لا أحد قادر أن يقول إن الناس لم يكونوا يشاهدون قدوم الأزمة. وكل ما هناك أن صناع السياسة لم يقوموا بشيء فعال حولها، حينما كان بالإمكان التأثير عليها.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)