إن المبادرات تشابهت علينا!

TT

نعود مرة أخرى للموضوع اللبناني، الذي لا يغيب عن الصفحات الأولى في الصحف ولا العناوين الرئيسية، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن «مستوى» الأحداث اللبنانية والسجال بلغ مستوى غير مسبوق وأن الجدال الحاصل لا بد أن يصيب كل منتسب للدولة البيزنطية بالغيرة الشديدة.

فبعد اتهام مندوب حزب الله، محمد رعد، للأمين العام لجامعة الدول العربية بأنه لا يعرف اللغة العربية وعليه أن يتعلمها في تعليق له على تفسير عمرو موسى (وسائر الدول العربية) للمبادرة العربية، وهي التي أبت المعارضة اللبنانية إلا أن تجد لها تأويلا «خاصا» يتناسب مع موقفها الممانع عموما لإحداث أي حراك إيجابي للمأساة السياسية اللبنانية الحالية، فالحقيقة يتناسب هذا الموقف ويذكر بموقف النبي موسى عليه السلام مع بني إسرائيل وقصة البقرة وجوابهم التقليدي له: «ادعُ لنا ربك يبين لنا ما هي»، حتى يبلغ ردهم عليه بقولهم: «إن البقر تشابه علينا».

مبادرة عربية اتفق عليها كل بلد عربي (بما فيهم أصدقاء وحلفاء كافة الأطياف الموجودة على الساحة اللبنانية) وعليه حين يأتي طرف «يعترض» عليها بدون سبب جاد أو سبب منطقي ولكن فقط كما يقولون في لبنان «هيك!»، لماذا لبنان مهم؟ ولماذا لبنان يبحث ويكتب عنه؟ ربما لأن لبنان كان يزف للعرب بشارات عن مستقبلهم القادم إبان الستينات والسبعينات الميلادية من القرن الماضي، وكان هو مسرح العمليات للترويح من الأفكار الثورية والقومية التي ظهر إنها ليست سوى بضاعة فارغة «ردت إليهم».

واليوم بعد أن كان لبنان هو المبشر الداعي للغد العربي الساطع والمبهر، أصبح هو رمزا للحال العربي البائس، رمزا للتفرقة والتشرذم، فبعد أن كان ظاهره رمزا للحضارة والتعلم والعلمانية والتسامح، بات وتحول إلى حالة صارخة من التشدد والتعصب والتطرف الطائفي.

لبنان تحول إلى حالة من اللغز غير المفهوم، هذا على المستوى الظاهري فقط، أما غير ذلك فهو تحول إلى مسرح للدمى والعرائس تحركها قوى ومصالح واضحة ومباشرة. لبنان يسقط في أوحال الشعارات التي ساقته إلى التيه الكبير، كم من سنين ضاعت في أضغاث «العروبة» وأوهام «الاشتراكية» ومجاهل «الليبرالية» ومحافل «المقاومة». واليوم ها هو يدفع ثمن كل ذلك بانعكاسات وإسقاطات مباشرة على واقعه المحلي، والكل يشاهده يغرق ويبتسم إلا من رحم ربي! لبنان في مشهده البائس يبدو محاصرا بين تيارين؛ الأول: هو التيار الوطني الحر الذي لا يزال موقفه غامضا ومثيرا للفتنة داخل طائفته تحديدا وفي لبنان عموما (وها هو يواصل الإبداع في إضافة سيناريو التوطين للفلسطينيين في لبنان بمباركة سعد الحريري بحسب ادعاء قائده ميشال عون)، والثاني: التيار الكهربائي الذي يواصل انقطاعه عن عدد متزايد من المناطق اللبنانية في إشارة خطيرة لبدايات الانهيار في البنية التحتية للبلد ككل.

لا أملك في آخر هذه الكلمات سوى التوجه للأمين العام لجامعة الدول العربية وتذكيره بدعاء النبي موسى عليه السلام «قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين».

[email protected]