الصحافة الفنية

TT

اصغيت بعد ظهر السبت الماضي الى برنامج مطول قدمته الـ«بي. بي. سي» العربية عن سعاد حسني، تحدث فيه عدد من الفنانين وكتّاب الصحافة الفنية. وحكى الزميل مفيد فوزي بعلم وحزن وذكريات عن سيدة عرفها عن قرب وعن مرحلة عاشها بقلبه وقلمه وصداقاته. وفيما كنت اصغي اليه يعبّر بطلاقة وحماس وأسى خطر لي ان الصحافي «الفني» في العالم العربي مظلوم مثل اهل الفن. وكما ان الفنان مخلوق درجة ثانية بالقياس مع باقي الخلق، كذلك هو الصحافي الذي يختار عالم الفن.

و«شكى» لي الزميل وجيه رضوان، الذي غالباً ما اطلب مشورته لدى الكتابة في موضوع فني، من انه امضى خمس سنوات فقط يكتب في الفن «والى الآن تلاحقني هذه الصفة منذ اربعة عقود». على أن رضوان كان واحداً من اولئك الذين رفعوا مستوى الصحافة الفنية وحولوها من ترداد الى ثقافة وجهد، واعطوا الراقين من الفنانين حقهم من الرقي.

وقد لعبت الصحافة في صورة عامة والصحافة الفنية خصوصاً، دوراً في ترقي الحالة الفنية. ورعى رجال مثل كامل الشناوي ومصطفى وعلي امين وصلاح جاهين كبار الفنانين وساهموا في صنع صورتهم لدى الناس. وكانت الصحافة حزب ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم. وانشأت دار «روز اليوسف» مجلة «صباح الخير» التي تولاها صحافيون من طراز احمد بهاء الدين وكامل زهيري وفيها بدأ مفيد فوزي مسيرة طويلة الى جانب النجوم الذين احبتهم مصر وامضت ايامها ولياليها تعلق صورهم في العيون واصواتهم في القلوب. وقد كان وهو يروي فصولاً من حياة سعاد حسني، يبدو مثل مؤرخ صادق وشاهد حزين وصديق يرثي امرأة ادركها الموت من دون ان تدرك الحياة.

تأثر سعيد فريحة بكل ما هو مصري وتعلم في القاهرة ان يذوب في امسيات ام كلثوم. وبسبب صداقته الطويلة مع الاخوين امين، عرف مصر الفنية عن قرب حتى اصبح جزءاً منها. ومثل دار «روز اليوسف» انشأت «دار الصياد» مجلة «الشبكة» التي بدأت مع الزميل ياسر هواري في صيغة مماثلة لـ«صباح الخير» باستثناء الكاريكاتور، ينشر فيها الكتاب السياسيون والروائيون وسواهم. غير ان الصحافة الفنية في شكل عام اختارت ان تخلع عن وجهها الملامح الجدية، التي يبدو انها تتعبها وتتعب ارقام التوزيع، فالقارئ، مثل المشاهد، يفضل في الغالب الاشياء الخفيفة واللحظات السريعة. وقد اقتضى موت سعاد حسني من على شرفة محزنة في غرب لندن، لكي يتوقف المشاهدون والكتّاب والفنانون انفسهم، امام شيء اسمه الفن في العالم العربي. فالفنان يبدو وكأنه يشارك كلاً منا حياته ويومه، لكنه في الحقيقة بعيد ومعزول ولا يتطلب نسيانه اكثر من بضع لحظات او اقل من فيلم فاشل واحد يقضي على سيرته كلها. وفي المكان نفس يعيش الصحافي الفني، الذي اما يذوب مع ابطاله بلا اسم ولا ذكر، او يتحول الى شاهد ومؤرخ، لحاله وحال الفن.