الرأسماليون.. أخطر أعداء الرأسمالية

TT

وسط الفوضى في الأسواق المالية العالمية، اصبح من الواضح ان اخطر اعداء الرأسمالية هم الرأسماليون. فلا يمكن لأحد تابع قضية قروض الإسكان بلا ضمانات إلا ان يلاحظ المقارنات الغبية بين حجم الفشل والمكافآت الضخمة لهؤلاء الذين ترأسوها. ففي «ميريل لينش» و«سيتي غروب»، كلفت الخسائر الضخمة في قروض الاسكان بلا ضمانات رئيسي المصرفين وظيفتيهما ـ وغادرا منصبيهما باتفاقية؛ قيمتها عدة ملايين من الدولارات. ويُقدر ان ستانلي اونيل الرئيس السابق لـ«ميريل لينش» حصل على تعويضات قيمتها 161 مليون دولار. وفي كل يوم، يقتنع الاميركيون (حقا) ان هذا النوع من الرأسمالية يعمل لصالح القلة المميزة. وسيقال في مجال الدفاع عنهم ان هذه العقود والاتفاقات تعكس سنوات من الخدمة، الناجحة للغاية في معظمها. اذن: يبدو الامر وكأن رؤساء مجالس الادارات لم يحصلوا على مكافآت طوال تلك السنوات. وإذا ما تركت شركتك في حالة من الفوضى ـ بخسائر يتحملها العاملون في الوظائف الدنيا، فسيعني ذلك ان البعض منهم سيطرد، بالإضافة الى المساهمين ـ فهل تستحق طبقا ذهبيا لتوديعك؟ ان المشكلة الاكثر خطورة تتعدى المبالغ الكبيرة المدفوعة وتصل الى العواقب الاوسع على الاقتصاد.

ان تقاليد الدفع في وول ستريت تشجع المخاطرة المفرطة التي يمكن ان تؤدي الى بث الزعزعة في الاقتصاد. ان خسائر قروض الإسكان بلا ضمانات ربما تكون الفصل الاول. والآن هناك اشارات الى مشاكل متعلقة بالأوراق المالية المعروفة باسم تبادل مخاطر القروض، لا تهتم بالتفاصيل. هو يركز احتمالات الانهيار. وإذا ما تعرضت المصارف ومراكز الاستثمار الى مزيد من الخسائر، فإن نظام القروض في البلاد سيتعرض لمزيد من المشاكل وبالتالي الاقتصاد. لقد خفض مجلس الاحتياط الفيدرالي السعر الاساسي للفائدة يوم الاثنين من 4.25 الى 3.5 في المائة ـ وهي خطوة ضخمة، لتعزيز ـ في جزء منها ـ نظام القروض.

واقصد بـ«وول ستريت» كل المصارف التجارية والاستثمارية والصناديق المشتركة وصناديق التحوط وغيرها التي تشكل القطاع الاقتصادي ـ ولكن المصارف الاستثمارية على وجه الخصوص. المرتبات مدهشة. في عام 2007 تلقى ليود بلانفين الرئيس التنفيذي لـ«غولدن ساكس» تعويضات قيمتها 68 مليون دولار. الا ان المرتبات موجهة نحو نظام «الحوافز» المعتمدة على الارباح التي حققها التجار والمصرفيون، وسألت جونسون اسوشويتس، وهي شركة استشارية في مجال التعويضات، النموذج التقليدي لمجموع ما يحصل عليه العاملون في وول ستريت. النتائج تتعلق بـ«مدير يعمل في نيويورك وله خبرة تتراوح بين 10 و 15 سنة. معظمهم في الاربعين هذه هي التقديرات للعام الماضي. ـ مصرفي استثماري: 2.1 مليون دولار مكونة من 275 الف دولار مرتب اساسي بالإضافة الى 1.2 مليون دولار مكافآت نقدية و625 الف دولار مكافآت على المدى الطويل.

ـ تاجر سندات: 1.5 مليون دولار، مكونة من 240 الف دولار مرتب اساسي و975 الف دولار مكافأة نقدية و310 آلاف دولار مكافأة على المدى الطويل.

ـ مدير صندوق تحويط: 1.8 مليون دولار مقسمة بين مرتب قيمته 265 الف دولار و1.5 مليون دولار مكافأة. لماذا يزيد مرتب مصرفي استثماري وتاجر على مرتب طبيب او مهندس كومبيوتر؟ هذا سؤال لم اسمع اجابة مقنعة له. هل هم اكثر ذكاء؟ ليس من المرجح. هل يساهمون اكثر في الاقتصاد؟ امر مثير للتساؤل. حقا يؤدي وول ستريت وظيفة حيوية. فهو يوجه المدخرات الى الاستثمار الانتاجي. ففي عام 2006 حصلت الشركات الاميركية على ما يقرب من 4 تريليونات دولار عبر الاسهم والسندات. والعديد من الافكار المالية الجديدة افادت الافراد والشركات.إلا أن وول ستريت يسيء تخصيص رأس المال والقروض. ففقاعة التكنولوجيا أواخر التسعينات كانت من بين هذه الاخطاء. والآن لدينا القروض الاسكانية بلا ضمانات. لماذا: عقلية القطيع المالي المجنون لها تاريخ طويل. الآن نظام تعويضات يعمل نحو الحوافز المعتمدة على الارباح السنوية ويجعل الامر اكثر سوءاً.

ويقول الخبير آلان جونسون «وول ستريت هو مجال للبيع ـ يبيعون السندات والأوراق المالية والأفكار.. وهم لا يحصلون على مرتبات لكي يصبحوا فلاسفة على المدى الطويل». والضغط يتعلق بتحقيق عملية الدمج التالية وبيع مزيد من الاسهم والسندات، أي شيء يرفع الارباح الحالية والمكافآت، اللعنة على العواقب على المدى الطويل. وفي الواقع، هناك العديد من الاسباب وراء فقاعة قطاع العقارات، من بينها انخفاض اسعار الفائدة، والشعبية السياسية لملكية المساكن، والاعتقاد الخاطئ ان اسعار البيوت لا يمكنها الانهيار. وهذا يمكن ان يشرح محدودية رد الفعل ضد وول ستريت.

* خدمة واشنطن بوست

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»