انتخابات لندن: رسالة عاجلة للعرب

TT

في الانتخابات قوميا، او محليا يركز الساسة على المال والاقتصاد وخفض الضرائب، لجذب الاصوات.

ساكن الحي الناضج يوجه صوته الانتخابي وفق مصلحته موازنا الخدمات التي يحصل عليها وأسرته مقابل الضرائب المحلية التي يدفعها.

رجل الاعمال سواء كان صاحب مطعم او فندق او مخبز؛ يفكر مليا اثناء انتخابات المجلس البلدي ليوازن بين برامج المرشحين ومواقفهم من ميزانية الخدمات والمواصلات والضرائب التجارية المحلية وما في جعبته من قوانين ادارية محلية لتنظيم المرور وانتظار السيارات وخلق ظروف تشجع تدفق الزبائن والمستهلكين نحو تجارته. ومع انتخابات عمدة العاصمة لندن في اول مايو، أناشد رجال الاعمال والمستثمرين المصريين والأفارقة واللبنانيين اللندنيين، والمستثمرين الخليجيين ان يوازنوا مصالحهم الاقتصادية بعقولهم ولا يصوتوا بعواطفهم.

ومن حق اي مقيم في لندن يدفع ضريبة العقار السكني او التجاري ان يصوت في الانتخابات المحلية، بينما يقتصر التصويت في الانتخابات النيابية العامة على حاملي الجنسية البريطانية.

اناشد المقيمين العرب التصويت بنضج للمرشح الذي يوفر الخدمات والأمن؛ ورجال الاعمال العرب للبرامج الانتخابية التي تنمي استثماراتهم، وليس لمن يدغدغ عواطفهم بشعارات تبدو في ظاهرها معادية لإسرائيل وأمريكا. فهناك من يردد بصوت عال نسخة انجليزية من شعارات القومجية الثورجية والاسلامويين عن التضامن مع قضايا العرب والمسلمين، ويقهقه سرا مقتنعا ان العرب، القادمين من بلدان البروباغندا وتزوير الانتخابات، غير ناضجين سياسيا، يصوتون بعواطفهم وليس بعقولهم.

المهاجرون والمستثمرون من شمال افريقيا وبلاد الشام هم كتلة انتخابية لا يستهان بها؛ اما التجار ورجال الاعمال وأصحاب العقارات المصريون والخليجيون فيوظفون الاف الانجليز، وتبلع استثماراتهم مليارات الجنيهات الاسترلينية يمكنهم تسخيرها لترويج برنامج المرشح الذي يقدر بجد واحترام دورهم الذي لا مثيل له في سند وتشغيل اقتصاد لندن وأيضا يوفر من الخدمات والقوانين الادارية ما يروج تجارتهم لا ما يعطل مصالحهم.

العرب، ما بين صفقات الطائرات والتسليح وبناء السفن واستيراد المصنوعات البريطانية، وضرائبهم المدفوعة للخزانة ادخلوا لبريطانيا قرابة مائة مليار دولار في الاعوام الاخيرة وخلقوا مئات الآلاف من الوظائف للبريطانيين.

اعمال المستثمرين الاصغر حجما خلقت سوقا هائلة، ينهار دونها اقتصاد العاصمة، من الادجوار روود الى حي ايلينغ في غرب لندن.

فلنقارن مدى «ولاء» عمدة لندن العمالي ومنافسه المحافظ، للعرب واعترافه بجميلهم في دعم اقتصاد العاصمة. عمدة لندن منذ ثماني سنوات كين ليفنغستون، يريد الاحتفاظ بالمنصب لفترة ثالثة، تحول الى ديكتاتور يحذر المراقبون من تسلطه ويهاجمه اليسار الذي اعتبره يوما بطلا. كنت معجبا بليفنغستون في السبعينات لدعمه الزعيم الافريقي العظيم نلسون مانديلا الذي سرنا في مظاهرات نطالب بإطلاق سراحه.

دعمت ليفنغستون عندما خرق قوانين البلاد عام 1980 كرئيس لبلدية لندن بتخفيض اجرة المواصلات.

في انتخابات 2000 ناشد توني بلير، رئيس الوزراء، الناخبين بعدم التصويت لليفنغستون لتطرفه، فدعم اكثرنا ليفنغنستون نكاية في بلير لدسه انفه في شؤوننا المحلية.

صدقنا وعود ليفنغستون بالحفاظ على شخصية وروح وملامح لندن وأشجارها الباسقة وشوارعها التي تجملها مبانيها العريقة. صدقنا وعده بالحفاظ على الباص القديم الاحمر ذي الطابقين، وإعادة توظيف كمسارية الاتوبيس الذين قل عددهم بنسبة 40% بعد احالة الاف منهم للتقاعد وإلغاء الوظيفة والاعتماد على السائق الذي يحصل التذاكر دون وضع وقت ومصالح الناس في الاعتبار حيث يقف الباص في كل محطة دقائق طويلة انتظارا لتحصيل السائق التذاكر من الركاب.

صحيح ان القاعدة هي كذب الساسة، وصدقهم الاستثناء، لكن ليفنغنستون، اقسم انه ليس سياسيا تقليديا بل واحد من الناس العاديين يركب الباص والمترو، امام عدسات المصورين. اكتشفنا بعد عامين فقط من انتخابه ان ليفنغنستون ذو موهبة في نكث العهود.

بلغت مصاريف التاكسيات التي استقلها وحده كل عام عشرات الآلاف من الجنيهات من ضرائب من يختنقون في مواصلات في حالة لو نقلت فيها البهائم لاعترضت الجمعية الملكية للرفق بالحيوان.

فصل ليفنغنستون كل من بقي من الكمسارية؛ واشترى باصات غير ملائمة للندن قبيحة الشكل من المانيا، احترق بعضها وأزهقت عدة ارواح.

قطع ارزاق الاف من ابناء البلد الكمسارية الذين يعولون اسر بريطانية، وحول اجورهم لزيادة ارباح حملة الاسهم لشركة مرسيديس الالمانية.

نسي ليفنغستون حملته عن مانديلا ليهاجم منظمات حقوق الانسان والقضاء، مدافعا باستماتة عن بوليس لندن الذي ادانه التحقيق القضائي بتهمة تعريض سلامة المواطنين للخطر عندما قتل رجال بوليس مسلحون الشاب البرازيلي البريء تشارلز دي مينيزيس يوم 21 يوليو 2005 بإفراغ سبعة رصاصات في رأسه بينما قيد زميلهم حركته. فهل نتوقع ممن كذب في وعوده الانتخابية وقطع ارزاق من يعولون اسر ابناء وطنه، ان يكون له خير في العرب الذين يدعمون اقتصاد لندن بالمليارات؟ ليفنغنستون كرر التصريحات علنا في اكثر من مناسبة، بأنه يتطلع لليوم الذي يتدلى فيه قادة وحكام البلدان العربية التي تنفق الملايين لدعم بلاده، مشنوقين من اعمدة مصابيح الكهرباء. ليفنغنستون يطلق الشعارت المعادية لإسرائيل، ويهدر اموال دافع الضرائب على تنظيم مظاهرات ضد زيارة الرئيس بوش للندن، لكن عمليا سياسته وكراهيته الباثولوجية للسيارات وحقده الطبقي على من يراهم ميسورين تضر اشد الضرر بأعمال اصحاب المطاعم اللبنانيين والمغاربة والتجار المصريين، والسكان العرب في غرب لندن. فرض ليفنغستون ضريبة (يسميها رسم زحمة المرور) على كل من يمتلك سيارة على غرب لندن حيث يعيش العرب الذين يراهم اثرياء (العدو الطبقي) وليس على شرق لندن، التي يصوت اغلب سكانها لحزبه العمالي.

صوت اغلبية سكان غرب لندن برفض ضريبته للمرور قبل عامين فضرب ليفنغستون عرض الحائط بإرادة الاغلبية وفرض ضريبة الجنيهات الثمانية (17 دولارا) يوميا على الناس الذين ليس لديهم امكانية ابقاء السيارة خارج الحي، ولم تنته زحمة المرور كما وعد. ولتوفير الـ 17 دولارا يوميا، قل عدد الوافدين للتسوق وارتياد الزبائن لمطاعم العرب ومتاجر المصريين والمغاربة في غرب لندن مما اثر سلبيا على ارزاقهم.

مرشح حزب المحافظين بوريس جونسون (وجده الاكبر كان مهاجرا عربيا) من تلاميذ المدرسة الثاتشرية، التي تحترم الصداقة التاريخية العربية البريطانية، والمحافظون اكثر ساسة بريطانيا صداقة للعرب وتحالفا معهم. وكثير من اصدقاء جونسون وحلفائه السياسيين من العرب.

كما وعد باحترام خيار اهل غرب لندن الديموقراطي الغاء الضريبة المرورية من منطقتهم العربية الطابع ديموغرافيا وتجاريا.

ولذا نصيحتنا للعرب مستثمرين ومقيمين وسكانا ان يغيروا الانطباع بأنهم عاطفيون غير ناضجين ديموقراطيا، وألا يبخلوا بالمساعدة ودعم المرشح الذي ستروج سياسته اعمالهم ومصالحهم ويرجحوا كفته على كفة ناكر جميل العرب الذي يتمنى رؤيتهم مشنوقين من اعمدة الكهرباء.