كينيا.. والدخول إلى عالم الشلل واليأس

TT

العنف الذي يتعرض له الآخرون، لا يشكل قلقا عميقا بالنسبة للكثير منا، خصوصا اذا ما ظهر في افريقيا النائية أو آسيا المكتظة سكانيا. ولكن اندلاع أعمال القتل والشغب بين القبائل في كينيا اثار هواجسي حيث اعيش.

فذلك الوضع يهدد بوضع نيروبي على قائمة العواصم الأجنبية، حيث كنت ذات يوم أعيش أو قمت بزيارات منتظمة، ولكن التي اصبحت مكانا خطرا بالنسبة للسياح الأجانب أو رجال الأعمال أو الصحافيين، وفي حالات كثيرة للسكان المحليين. وقد سقطت ستارة من العنف والعداء تجاه الغرباء على الكثير من أجزاء تاريخي الصحافي.

وهكذا فإنه حين تبدو كينيا في معاناة من الانهيار، فإنني انظر الى الأمر من زاوية شخصية. انها تحيي ذكريات رؤية لبنان يتمزق امامي او مراقبة عن بعد لعواصم مثل الجزائر وطهران وبغداد ومقديشو والخرطوم وهراري وأماكن اخرى قليلة سافرت اليها كمراسل اجنبي شاب واجه ليالي طويلة من التدمير المرعب والاضطراب المروع.

قدمت كينيا عن نفسها صورة براقة بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1963 وتبنت سياسات اقتصادية براغماتية جذبت إليها المستثمرين الأجانب وأقنعت المستوطنين البيض كي يبقوا نقودهم وخبراتهم وعوائلهم هناك.

حينما وصلت إلى كينيا بعد ست سنوات في أول تعيين لي خارج الولايات المتحدة من قبل صحيفة «واشنطن بوست»، كان جومو كنياتا لا يترأس بلدا يتمتع بجمال طبيعي هائل بل ببنية تحتية وطنية فعالة.

لكن العنف كان يسير فقط تحت سطح السياسة الكينية. فرجال قبيلة كيكيو التي ينتمي إليها الرئيس كنياتا تصدروا انتفاضة الماو ماو وكسبوا هيمنة سياسية بعد الاستقلال وهذا ما جعلهم غير راغبين في إشراك أبناء قبيلة «لو» التي تعد القبيلة الكبرى الأخرى في كينيا أو مع المنشقين السياسيين من قبيلة كيكيو بخصوص هذه القضية وهؤلاء إما تعرضوا للاغتيال أو قسرهم على الصمت من قبل مؤسسة كيكيو الحاكمة. وفي هذا الشهر جاءت أعمال القتل الانتقامية والاحتجاجات العنيفة في الشوارع على يد غوغاء قبيلة «لو» نتيجة لسرقة الانتخابات الوطنية على يد حكومة الرئيس مواي كيباكي التي يبدو أنها خسرت الانتخابات للمعارضة المدعومة من أبناء قبيلة «لو». وقوبل غضب أبناء قبيلة «لو» بقمع قاس من قبل الشرطة مع فشل الحكومات الأجنبية أو الأمم المتحدة في فرض ضغوط على كيباكي للتعامل بنية حسنة مع القبيلة الأخرى لحل الأزمة أو السعي نحو مصالحة وطنية.

لسوء الحظ، أن أكثر المشاكل خطورة في تاريخ كينيا الحديث جاءت مع ضعف الغضب الدولي نتيجة انتشاره في دارفور والشرق الأوسط والعراق ومناطق أخرى. فنزاع الامم المتحدة مع السودان حول إرسال وحدات لحفظ الأمن إلى دارفور قد تحول في الأخير إلى مجرد توبيخ لحكومة من واجباتها الأولية حماية مواطنيها. في هذه المرة قد تكون التطورات في كينيا بداية مرحلة حزينة تتمثل بتحطم كامل للبنى التي تشكلت بعد الاستقلال والتي حاولت الاعتراف بالاعتراف بالهويات الوطنية الأفريقية والعربية والآسيوية مع حماية المصالح الاقتصادية والسياسية الغربية. إذا لم يتمكن الكينيون من إيجاد هذه الصيغة، فإنه من الصعب تصور بلدان أخرى أقل ثراء من كينيا قادرة على القيام بها.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)