برامج التربية العلمية: ضرورة الاهتمام بالعلوم والرياضيات

TT

لو نظرنا الآن في عالمنا العربي نجد أن هناك قصورا شديداً في فهم العلم وطبيعته، الأمر الذي أدى الى عزوف وكراهية البعض للعلم والعلوم، فهناك الآن في عالمنا العربي ظاهرة عزوف الطلاب عن الالتحاق والاهتمام بأقسام العلوم والرياضيات في المدارس والجامعات، حيث نجد أن البعض من أبنائنا والعامة يرددون أقوال مثل «أنا لا أحب العلوم والرياضيات» أو «العلوم والرياضيات مادة صعبة»، الى غير ذلك من أقوال تدل على كراهية البعض للعلم والعلوم، هذا في الوقت الذي نحتاج فيه الآن في عالمنا العربي الى أشد الحاجة للاهتمام بالعلوم والرياضيات، وبخاصة مع التطورات السريعة في العلم والتكنولوجيا التي تتطلب فهماً ودراسة لمواد العلوم والرياضيات، وقد أثبتت الدراسات والأبحاث التربوية أن مواد العلوم والرياضيات تنمي لدى الطلاب القدرة على التفكير العلمي، كما أنها تساعد على تنمية الخيال العلمي الذي يتيح الفرصة لمزيد من الابتكارات والاكتشافات العلمية.

كما أن برامج التربية العلمية يمكن أن تساهم في خلق وإعداد أجيال تهتم بالعلوم والرياضيات، باعتبارها مفتاح التقدم والرقي، وهناك الآن في الدول المتقدمة العديد من برامج التربية العلمية الواعدة التي تنفق عليها مليارات الدولارات، من أجل إعداد أبنائها للحاضر والمستقبل، ويكفي أن أشير هنا الى أن الهند قد أعلنت خلال شهر يناير الجاري أن عام 2008 سيكون عام التربية العلمية، من خلال إطلاقها لتطورات جديدة في التربية الحديثة وبخاصة الاهتمام بالتربية العلمية، مع الاهتمام بأساليب حديثة لجذب الطلاب للاهتمام بدراسة العلوم، فنجاح الهند في مجال تطوير برامج الكمبيوتر وخدمات الإنترنت وقطاعات المعلوماتية خير دليل على هذا، وقد أصبح نظام التعليم الهندي المتفوق مادة للحديث عالمياً في الندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام، كما أن المدارس الدولية الهندية تشهد زيادة كبيرة في طلبات الالتحاق، ففي مدرسة ليتل انجيلز الهندية الدولية في طوكيو باليابان، نجد أن الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عامين يتعلمون العد حتى رقم 20 ، والأطفال الذين تصل أعمارهم الى ثلاث سنوات يتعلمون استخدام الكمبيوتر، بينما الأطفال الذين تصل أعمارهم لخمس سنوات فيتعلمون الضرب وحل المسائل الرياضية وكتابة موضوعات باللغة الإنجليزية.

لقد أصبحت هناك الآن مهمة عاجلة في عالمنا العربي للتعرف على أسباب عزوف الطلاب عن الدراسة في تخصصات العلوم والرياضيات، مع اقتراح طرق وأساليب العلاج، وقد يكون من المفيد أن أشيد هنا بالورشة الدولية التي عقدت أخيراً بمركز تطوير تعليم العلوم والرياضيات بجامعة الملك سعود في السعودية، والتي شارك فيها بعض علماء وخبراء العالم في مجال التربية العلمية، مثل العالم كارل ويمان Carl Wieman الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2001 ، وصاحب مبادرة كارل ويمان لتعليم العلوم بجامعة بريتش كولومبيا. كما أن الخيال العلمي يعد من المداخل المهمة لتنمية التنوير العلمي، تقول جولي سزيرنيدا Julie Czerneda في كتابها الصادر عام 1999 بعنوان «لا يوجد حدود: تنمية التنوير العلمي باستخدام الخيال العلمي»No Limits: Developing Scientific Literacy Using Science Fiction، أن للخيال العلمي دوراً مهماً في تنمية التنوير العلمي وتشجيع الإبداع العلمي، وتحسين مهارات القراءة الناقدة، وبخاصة الأسئلة التي تبدأ بعبارة «ماذا يحدث لو؟» What If ? فكلمة «لو» مفتاح الخيال والإبداع، اذ تساعد في تقديم حلول غير تقليدية للعديد من المسائل والقضايا، كما أن دراسة سير العلماء والمبدعين تعد ضرورية لتكوين اتجاهات إيجابية نحو تقدير دور العلم والعلماء في المجتمع، وكذلك للتعرف على المؤثرات والتجارب المبكرة في حياة هؤلاء العلماء والتي أدت بهم للإبداع في مجالاتهم العلمية والبحثية.

وفي كتاب بعنوان «عندما كنا اطفالاً: كيف يصبح الطفل عالماً؟»When We Were Kids: How a Child Becomes a Scientist? عام 2004 لمؤلفه جون بروكمانJohn Brockman ، يعرض للتجارب والمؤثرات العلمية المبكرة في حياة عديد من مشاهير العلماء، حيث يكشف العلماء عن اجابات عن تساؤلات مثل ماذا حدث عندما كنت طفلاً، وما الذي قادك لأن تحيا حياة علمية، وما الذي جعلك مهتما بمجال بحثك الحالي.

وفي عالمنا العربي هناك أيضاً العديد من الأمثلة على المؤثرات العلمية المبكرة في حياة علمائنا، التي يجب أن نتوقف عندها بالدراسة المتأنية لما لها من دلالات ومعان مهمة في برامج التربية العلمية، فعلى سبيل المثال يقول عالم الفضاء والجيولوجيا فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأميركية، أنه في طفولته في برامج الكشافة كان يحب الرحلات الجبلية، فكان يحب جمع الصخور والعينات، وهذا أدى به ليصبح من مشــاهير العــالم في علم الجيولوجيــا، وكذلك فــي طفولة العالم أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيميــاء عام 1999، كتب والداه على باب غرفته وكراساته «الدكتور أحمد»، ويقول عالــم الروبوتــات والأنظمة الذكية بجامعة رايس الأميركية ونــائب رئيس المؤسسة العربية للعلــوم والتكنولوجيــا بالشــارقة، التونسي الأصل العــالم فتحي غربــال، في حواري معه لـ«الشرق الأوسط» (عدد 17 أبريل 2005)، انه عندما كان طالباً بــالمرحلة الثانوية في تونس قرأ مقالة حول علم الروبوتات في احدى المجلات العلمية الفرنسية الشهيرة، وحددت شكل اهتمــامــاته في العلوم والتكنولوجيا وأصبح أكثر تحمساً لدراسة الهندسة وبخــاصة تصميم وبنـــاء روبوتات، الى غير ذلك من تجارب ومؤثرات علمية مبكرة في حياة علمائنا العرب والعلمــاء في الدول المتقدمة، قد تكون مفيدة في اقتراح السبل والأســاليب للنهوض ببرامج التربية العلمية والعلوم والرياضيات في عالمنا العربي والتي أصبحت ضرورة ملحة للتفوق والمنافسة العلمية ولمواجهة الحاضر وتحيات المستقبل.

* باحثة مصرية في الشؤون العلمية