هل ينجح الفلسطينيون في إقامة دولتهم؟

TT

لطالما تاق الفلسطينيون إلى رؤية تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة كواقع عملي على أرضهم، وهم على الرغم من كل المرارات والخيبات التي عايشوها على مدى السنوات العجاف الماضية، لم يفقدوا الأمل في إعادة الاهتمام العالمي بقضيتهم. هذا الاهتمام الذي تجلى مؤخرا في رعاية الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في أنابوليس وما بعدها.

الرئيس الأمريكي جورج بوش أعرب أكثر من مرة عن رغبته في رؤية دولة فلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل قبل انتهاء ولايته، وهو إضافة إلى ذلك يقوم مباشرة برعاية المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وزار المنطقة من أجل إعطاء زخم للمفاوضات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهودا أولمرت. فهل يستطيع الفلسطينيون، إذا ما أزيل عائق الاحتلال، بناء الدولة الفلسطينية العصرية والقابلة للحياة، وما هي الشروط التي تحتاجها عملية بناء الدولة، وهل هناك رؤية فلسطينية فيما يتعلق بالطرق والأساليب التي سيقيمون عليها دولتهم، وهل سيتجاوز الفلسطينيون الأخطاء التي رافقت بناء السلطة والتي أدت إلى ما أدت إليه من ويلات؟

هذه الأسئلة وغيرها لا بد وأن يصطدم بها صانع القرار الفلسطيني عاجلا أم آجلا. ولعل من المهم التذكير في هذا السياق بأن الدعم المالي الدولي الذي قرره مؤتمر باريس سيفترض مسبقا أن تكون هناك أجندة فلسطينية تتحدد على أساسها كل القضايا المتعلقة ببناء مؤسسات الدولة. وإذا كان صحيحا القول إن حكومة سلام فياض الحالية تحاول، ما أمكنها، تجاوز الأخطاء التي مرت بها السلطة الفلسطينية في الماضي، فإن الصحيح أيضا القول إن إرث السلطة بدوره ثقيل إلى الحد الذي يحتاج معه إلى رؤية جديدة وأدوات مختلفة كل الاختلاف عن ما سبق لإعادة بناء كافة المقومات التي ستقوم عليها دولة المستقبل.

ولعل الفشل في بناء القاعدة المادية والقانونية العصرية للدولة المنشودة، تكون السمة الأبرز التي تطالعنا بها التجربة الفلسطينية الماضية بهذا الخصوص. وهذا الفشل لا يمكن إحالته بوضعه كله على شماعة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، الذي يتحمل بلا شك جزءا من المشكلة، ولكن ليس كلها، بل لنا أن نلاحظ أن السلطة الفلسطينية هي أيضا لم تكن تمتلك رؤية عصرية للكيفية التي يتم من خلالها مثل هذا البناء العصري.

ومن المعلوم، أن أية عملية بناء لمقومات دولية عصرية لا بد وأن تتهيأ لها ظروف مواتية من الأمن والاستقرار الأمني، خصوصا فيما يتعلق بالبناء الاقتصادي، بل إنه من الصعب الحديث عن أي تقدم في هذا المضمار دون أن تكون هناك ظروف أمنية ملائمة لمثل هذا النمو. فأصحاب رؤوس الأموال عادة ما يترددون في توظيف أموالهم في ظل الانفلات الأمني واستمرار العمليات العسكرية، الأمر الذي يفسر تردي التوظيفات الاستثمارية والضعف الكبير في النمو الاقتصادي، مع ملاحظة اعتماد الفلسطينيين بالدرجة الأساس على المعونات الخارجية بنسبة وصلت في بعض الأحيان إلى 80% التي كانت تصرف في العادة في مجالات الإغاثة الطارئة. ليس هذا وحسب بل إن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي هي أيضا من السمات السلبية الأبرز التي ميزت العملية الاقتصادية في المناطق الفلسطينية. وهذا النموذج على مستوى الإخفاق الفلسطيني يمكن أن ينسحب بالطبع على كافة المجالات الحيوية الأخرى، سواء منها التعليمية أو الصحية أو حتى الخدماتية، الأمر الذي يعزز مشروعية الأسئلة المطروحة على الفلسطينيين ومدى قدرتهم على تجاوز عثرات الماضي باتجاه بناء المقومات الضرورية لدولتهم إذا ما تم الاتفاق على حل الدولتين.

وربما لهذا يحتاج الفلسطينيون إلى البدء بطريقة مختلفة تأخذ بعين الاعتبار أولا المراجعة النقدية لمسار السياسة الفلسطينية وأخطائها الماضية في هذا الخصوص، ومن ثم البدء في التدرب لاستيعاب الطرق الحداثية في بناء الدولة العصرية. وهناك بالطبع الكثير من النماذج التي يمكن أن يحتذى بها في هذا المضمار، ويا حبذا لو استطاع الفلسطينيون التعلم من أعدائهم الذين تمكنوا من بناء دولتهم على أسس عصرية على الرغم من كل المعيقات المحيطة بهم.

* كاتبة فلسطينية مقيمة

في فيينا