كيف أوقعت مصر في الفخ؟

TT

بدلا من أن يسلط الضوء على الحصار الإسرائيلي لغزة ومعاناة أهلها من الوحشية الإسرائيلية، وكيف قادت سياسات حماس الكارثية إلى تعميق هذه المعاناة، أصبحت مصر هي التي في عين العاصفة، عربيا، ودوليا. وبدلا من أن ينظر للقاهرة على أنها من مفاتيح حلول الأزمة، باتت مصر، بثقلها السياسي، والتاريخي في أزمة دفعتها إليها حماس.

تشدد مصر في إغلاق معبر رفح سيجعلها وكأنها شريك للإسرائيليين في حصار الفلسطينيين، وفتحها الحدود يعني توريطها مع المجتمع الدولي. ويعني ذلك، ضمنيا، قبولها بحكومة هنية، وبذلك تكون حماس خالد مشعل قد قامت بفرض الأمر الواقع على القاهرة، من دون أن تصحح انقلابها.

وبهذا تكون مصر قد أوقعت في الفخ، لأن حماس قررت الهروب إلى الأمام، حيث ازاحت الضغط الدولي عن إسرائيل، بتوريطها للقاهرة، وفرضت واقع مواجهة فلسطينيا ـ مصريا بدلا من مواجهة فلسطينية ـ إسرائيلية، فالعالم كله اليوم لا يحكي عن حصار غزة بقدر ما يتحدث عن أزمة معبر رفح، ومصر.

يقول خالد مشعل لصحيفتنا قبل امس «فتح معبر رفح خطوة سليمة ولكن نحتاج أن نستكملها لأن القصة ليست موسما تجاريا لأهل غزة او تنزيلات لأيام، إذ ليس معقولا ان يحرم ويجوع أهل غزة». وكأن المصريين لا سياسة حماس الخاطئة هي التي قادت الفلسطينيين الى هذا المصير.

ثم يضيف، وهذا الأخطر، «آن الأوان لأن يكون المعبر مصريا فلسطينيا ولا يجوز ان نقيد أنفسنا بموضوع وجود اتفاق دولي بشأنه. آن الأوان لأن نطوي صفحته. وكما قلت ان كثيرا من المعاهدات طويت صفحتها، خاصة عندما تكون ظالمة».

وهذا ضمنيا يجعل اتفاق السلام المصري ـ الاسرائيلي في خطر حقيقي، وإعادة مصر الى أجواء الحرب مع اسرائيل. وهناك سؤال مهم، هل اذا تم ترتيب معبر رفح وفقا لما يريده خالد مشعل, لن تطلق حماس صاروخا على اسرائيل، وبهذا تتحول حماس الى حامي الدولة العبرية؟ وإذا ما تم اطلاق صاروخ واحد، فمن يضمن ان حربا جديدة لن تندلع بين مصر وإسرائيل؟ ويبدو اننا الآن في المرحلة الثالثة لكارثة ادارة أزمة الملف الفلسطيني، فبعد الاردن، وبيروت، سيصل الامر الى مصر.

لكن هل توريط مصر، وإيقاعها في الفخ كان مفاجئا؟ بالطبع لا! حماس كانت ورطة للدول العربية المعنية بترتيب الملف الفلسطيني وسحبه من أن يكون ورقة إيرانية ـ سورية. وقد كان هناك تردد عربي بالتعامل مع ملف حماس، حيث أن القضية ليست حماس بل من يدعمها، ويمكنها من أن تقوم بأدوار سياسية تسقط السلطة الفلسطينية الشرعية، وتضع الدول العربية في موقف سياسي صعب، فإما أن تسير الدول العربية الكبرى على نهج الحركة الإخوانية، أو أن تقوم حماس بتوريط تلك الدول باستنزافها بمزيد من الأزمات.

ما تفعله حماس، اليوم، ليس بعيدا عما يفعله حزب الله في لبنان، والفخ الذي أوقعت فيه مصر اليوم، هو نفسه المنصوب للسعوديين منذ أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، فحجم الضرر الذي وقع بحق السعودية من بعض العرب أكبر بكثير مما واجهته الرياض من الغرب، خصوصا استخدام ورقة الإرهاب والإرهابيين لتلطيخ سمعة السعوديين.

والهدف كله هو إضعاف سلطة الدول العربية المعتدلة أمام تصاعد دور الحركات المدعومة خارجيا، وهذا أمر خطر لا يجب السكوت عنه. مثلما ان توريط مصر مسألة لا يجوز تبسيطها، أو الدعوة للتعايش معها. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال.

[email protected]