سؤال وجواب

TT

الدنيا تغلبني احيانا بأسئلة لا استطيع الاجابة عها رغم مضي العمر واتساع التجربة. دموع النساء تلاحقني اينما وليت وجهي. وآخرهن 200 امرأة فلسطينية حاولن اقتحام معبر رفح تعبيرا عن سخط انساني فاض حتى انسكب وتمدد حتى انفجر. فهن امهات يرين اطفالا مرضى وجياعا بلا امل في حبة دواء او وجبة عشاء. زوجات فقد ازواجهن القدرة على الكسب لأنهم نزلاء في اكبر سجن عرفه العالم اسمه غزة.. نساء يبكين لأن غزة بلا كهرباء ولا وقود ولا غذاء ولا دواء ولا عمل.

ما الذي يريده العالم من اولئك النسوة؟ ان فاضت ارواحهن ومازالت في قلوبهن بقية من مقاومة للظلم فهن احياء وان خضعن لذل الابتزاز والقهر فهن اموات سواء عاد الماء والوقود والكهرباء أو لم تعد.

دموع المرأة انواع. فقد رن جرس الهاتف في بيتي في الثانية صباحا ثم جاءني صوت باك قالت صاحبته: عندي مشكلة.

بدأت في طرح الاسئلة: كم عمرك ولماذا تبكين؟ هل انت متزوجة؟ هل لك اولاد؟ كفي عن البكاء حتى افهم ما يؤلمك. اكتشفت انها تصغر ابنتي في العمر وانها تزوجت من تحب بعد خمس سنوات من الوفاء والانتظار وأنجبت طفلين. ولكن ظلت سعادتها منقوصة لأن ام الزوج لم يرضها ان يتزوج ولدها بالفتاة التي اختار وليس بعروس من اختيارها. ظلت تفتعل المشاكل وتحرض ولدها على الزوجة التي احب وتنذره بغضب من الله ان لم يذعن لإرادتها ويتزوج ابنة اختها التي اختارتها له وهو يقاوم وينصح زوجته بالصبر ويؤكد لأمه ان زوجته تتمنى رضاها فترفض الام كل محاولة الا ان يحقق لها ما تريد.

وفي النهاية اذعن وملك وأصبح زفافه قاب قوسين او ادنى. والزوجة الاولى تبكي دموعا تكوي الخدود لأنها، كما يقول عشاق الطاولة، وجدت نفسها في خانة اليك. فأمها متوفاة وأبوها تزوج بأخرى وهي تعلم أنها لن ترتاح في بيت ابيها. تبكي كمدا. ثم تبكي غضبا. وتتهم زوجها بعدم الوفاء. يعتذر ويقول انه خاف من غضب الله فأذعن.

أطفالها يبكون والعالم يبدو لعينيها اضيق من الكشتبان. تبكي وتقول لي بصوت محشرج لو انني اكملت تعليمي وكان لي مورد لما شعرت بهذا الذل. كلما تصورت زوجي الذي احببت مع امرأة اخرى لا هي اجمل ولا هي اكثر شبابا اشعر بأنني اموت في اليوم مئة مرة خاصة أنا لم اقصر معه. أين اهرب من هذا الجحيم؟

نصحتها بالصبر وبتوظيف العقل وبعدم التفريط في تاريخها مع زوج احبته وأولاد بحاجة الى عطف ابيهم. لا خيار امامك سوى قبول الواقع. نصحتها بالصلاة وان شعرت بالضيق قالت حسبي الله ونعم الوكيل.

كلماتي طلقات قد توقف الغضب لساعة او ساعتين, تماما مثلما بددت طلقات الامن عند المعبر غضب المتظاهرات الباحثات عن العدل والسلام.

الدنيا تغلبني بأسئلة لا اعرف لها جوابا. ما الذي يريده العالم من نساء غزة؟ وما الذي يريده من امرأة يأبى قلبها ان يقبل بالقهر؟ هل الاستسلام هو الحل؟

هل اسأل يوم الحساب لماذا لم اسع لرفع الظلم؟ ولماذا لم اجهر بالقول بأن الاستسلام التام هو الموت الزؤام؟