البطالة في زمن التنمية

TT

ارتفعت نسبة البطالة في السعودية إلى أكثر من 14%، بحسب تقرير صدر الأسبوع الماضي من قبل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.. والبطالة في السعودية حالة مناقضة لواقع بلد تصل فيه أعداد العمالة الوافدة إلى الملايين، ويعترف وزير العمل فيه بأن وزارته سمحت باستقدام 1.750 مليون عامل العام الماضي فقط!!.. كما أنها حالة مناقضة أيضا لواقع بلد بلغ إجمالي تحويل جنسية واحدة محدودة العدد من بين عشرات الجنسيات التي تعمل به ربع مليار دولار خلال 16 يوما فقط في العام الماضي..

لست ضد استقدام أصحاب التخصصات الدقيقة والكفاءات النادرة والعمالة المدربة، ولكن من يقنع العاطلين السعوديين عن العمل بأن كل أو جل تلك العمالة المستوردة لها مثل هذه المؤهلات، خاصة أن من بين العاطلين 36% من حملة الشهادات الجامعية، فهل اختار هؤلاء بطالتهم، وأصابتهم عدوى الروائي المصري الشهير البير قصيري، الذي يمجد الكسل اللذيذ، ويعتبره نوعا من البطالة الضرورية للتفكير؟!

أحترم محاولات الدكتور غازي القصيبي، وزير العمل السعودي لتغيير هذا الواقع، ولكن علينا أن نعترف أن ما تحقق أقل بكثير جدا من حجم الشعارات الكبيرة التي رفعتها وزارته، ومستويات الهالة الإعلامية التي رافقت تلك الشعارات، فلقد أثبت القطاع الخاص أنه الأقوى في مواجهة وزارة العمل، والدليل اعتراف وزير العمل، وحامل لواء توطين الوظائف بأن الرقم الذي سمحت باستقدامه وزارته في العام الماضي «يفوق عدد سكان 40 دولة مستقلة»، وهذا يعكس حجم الضغوط التي مارسها القطاع الخاص على وزارة العمل بنقد سياسات ترشيد الاستقدام، وتضخيم الحديث عن السلبيات والمخاوف التي يمكن أن تنشأ عنها، حتى أن الوزير القصيبي لجأ في أحد تصريحاته الأخيرة المتصلة بالاستقدام إلى عبارة: «لو أن الأمر بيدي»، والدخول في نفق «لو» مؤشر بالغ الدلالة على تراجع حدة الانطلاقة نحو الهدف، وأن القطار الذي بدأ سريعا، يسير اليوم نحو الغاية في أناة لا تحتملها صدور العاطلين. وأخيرا: أن تصل نسبة البطالة إلى أكثر من 14% في السعودية في هذا الوقت الذي يعيش فيه البلد أكبر انطلاقته التنموية أمر يرتقي إلى مستوى اللغز.. فمن يقدر على فهم ما يحدث؟!

[email protected]