مصير كوسوفو: أكثر من سيناريو

TT

احتدمت الأحداث في كوسوفو خلال يناير الحالي، ومنذ أسبوعه الأول، في غضون اتفاق أحزاب كوسوفو المتنافسة على إعلان الاستقلال، وقد أراد البعض ربط الحدث باسترجاع القصف الذي قام به الناتو، إبان تقلدي لحقيبة وزارة الخارجية الأميركية، في ما عرف لدى البعض إعلاميا بـ(حرب مادلين). وهنا أقول إن هدفنا وقتذاك كان رغبتنا في أن يحكم الكوسوفيون أنفسهم، وأن يديروا شؤون حياتهم، ولكن الحكومة في بلغراد، وبرفضها إعطاء الاعتبار لأي من نماذج الحكم الذاتي والبقاء مع صربيا خلال نقاشها مع أهل كوسوفو خلال الفترة الانتقالية الطويلة منذ الحرب، جعلت من المستحيل الأخذ بأي من تلك النماذج، فكانت الحرب، فيما كان ناتج ذلك الواقع هو ذاته الذي جعل الوضع الحالي لكوسوفو أمرا لا مفر منه.

ولكن خط العمق هنا هو أن الشعب الصربي يحتاج لأن يفهم أن مستقبله مرتبط بأوروبا، مثلما أصبحت الأجزاء الأخرى من يوغوسلافيا السابقة جزءا من أوروبا، ومن المدهش أن سلوفينيا، جزء يوغوسلافيا السابق، تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حاليا، فيما تخلفت صربيا لتبقى متأخرة عن الركب، في الوقت الذي بوسعها أن تصبح جزءا من جسم أكبر.

في المقابل، وبالعودة لمواقف إدارة الرئيس بوش، تجدر الإشارة الى أنها ما كان لها أن تضع مشاريع في مجلس الأمن بشأن كوسوفو، لا يكون بوسع الروس الموافقة عليها، بل ولا يكون أمامهم مفر من الاعتراض عليها، ناهيك من مجرد عدم الموافقة. وهذا ليس وضعا مماثلا للوضع الذي بسببه اشتعلت حرب كوسوفو، فيما عدا معرفتنا أن الروس سيستخدمون حق النقض ضد أي عمليات عسكرية تلوي يد الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوشيفتش، ولذلك لم نذهب يومها لمجلس الأمن، وإنما أقمنا الحرب ضده من الناتو أحاديا. ولكن سياسة الرئيس بوش قدمت لروسيا نفوذا في هذه القضية، أو قل أعطتها ما يقترب من الرافعة، وشئنا أم أبينا ، فقد أصبح الروس جزءا من المعادلة، وعلينا أن نتعامل سياسيا مع هذا الواقع الجديد. ولذلك فتقديري أن الذي يلزمنا في هذه القضية خارج منعطفاتها السياسية هو الصبر، ومعه أن نحفز الصرب ليعلموا أنه وعند نقطة أو منعطف ما، سيتم الترحيب بهم في أوروبا إذا داروا حول الحمى في كوسوفو، وفي ذات الوقت قاموا بتسليم مجرمي الحرب رادكو مالديتش ورادوفان كاراديتش.

ويبقى هناك بالطبع مأزق أوروبا وأميركا مع الاعتراف باستقلال كوسوفو إذا ما أعلن أهلها الاستقلال. ومن وجهة نظري الشخصية، أرى أن خطة مارتي اهتيساري لنوع من الاستقلال المراقب خطة جيدة، ومعها الأفكار الأخرى التي تراعي عدم القبول السابق للحكم ذاتي مع صربيا، ولذلك فليس هناك وفرة في الخيارات المتاحة، ولأن القضية قد أخذت مدى زمنيا طويلا بوضعها المعلق الحالي، فسيكون من الصعب عدم السماح للكوسوفيين بالاستقلال.

* وزيرة خارجية أميركا في إدارة كلينتون، والعمود من حوار أجرته معها خدمة غلوبال فيو بوينت، خاص بـ«الشرق الأوسط»