تمادي بوش في ممارسة الإرهاب ورعايته

TT

يدهم على عنق غزة تخنقها حصارات بالجوع والبرد والإظلام، ومع ذلك لا يكفون عن مضغ علكة الديمقراطية وحقوق الإنسان والتهديد الإيراني. كوندوليزا من ناحية وصديقتها تسيبي ليفني من ناحية أخرى، شريرتان قبيحتان تمارسان عملهما الوحشي بمزاج سعيد وبهواية وتفان. كوندوليزا لا تكف عن ترديد صوت سيدها باسطوانة: من حق إسرائيل الدفاع عن أمنها، والبنت ليفني تقابلها باسطوانة: إيران تهدد الأمن العالمي! وأصحاب «الموضوعية» من جانبنا لا يكفون عن زجر الفلسطينيين لأن صواريخهم (الضعيفة) تعرقل «التفاهم»، ولايزالون يؤكدون أن إيران مخطئة لأنها مصرة على عدم إزالة اسم خالد الإسلامبولي من لافتة شارع في طهران، لأنه قاتل السادات، بينما يئن ثرى مصر من احتضان الشاه المقبور قاتل الشعب الإيراني.

وأنا منقوطة، وفي محاولتي تجنب السكتة الدماغية أو القلبية، أو الاثنتين معا، أقرأ التاريخ وأقول من دون ترتيب زمني أو مكاني أو أبجدي: أين نابليون؟ ونيرون؟ وكاليجولا؟ وترومان؟ وكرومر؟ وبن جوريون؟ وبيجن؟ وموشي ديان؟ ورابين؟ وشارون؟ وجولدا مائير؟ وهولاكو؟ ومن حذا حذوهم في الدموية من ربعنا، وخذ حريتك في الأسماء!

صور الماضي ورائي وأمامي، فأين يا أطلال جند الغالب؟ أين؟

أراجع خروق المنطق الحاضر: حين قال بوش إنها حرب صليبية، كان يعرف تماما أنها حرب صليبية، وقد عقد العزم عليها بهذه الصفة. وحين قال بوش صراع حضارات، كان يعرف تماما أنه يتعمد هذا الصراع، وهذا التوجه لفرض «الطريقة الأمريكية في الحياة»، لكي تسود ولا تترك فرصة لأي طريقة أخرى منافسة، ولو كانت الفرنسية أو الإنجليزية، فما بالها لو كانت عربية وإسلامية؟

بوش ابن بلاده، ابن فلسفته البرجماتية النفعية التي ترى تعريفا للحقيقة، مفاده: «... اختراع شيء جديد وليس اكتشاف شيء موجود، ومقياس صواب الحقيقة يبدو في مدى نفعها في دنيا العمل». هو ابن ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان، ابن مبدأ آيزنهاور عام 1957 لملء الفراغ في الشرق الأوسط، على حد تعبير من صاغ هذا المبدأ، ليرث الاحتلال البريطاني والفرنسي في المنطقة.

بوش رئيس منتخب، يعرف حين يتكلم الإيقاعات التي تسعد ناخبيه وتذكي نار غرور الجاهل الأمريكي الذي لا يكف عن التساؤل: لماذا لا تدمر أمريكا العالم طالما هي قادرة على ذلك؟

الأمريكي القبيح يرفع لافتات بعبارات نبيلة ليسوغ حقه في إبادة شيوخ وأطفال ونساء وولدان. أوروبا تشجع أمريكا، هل تريد أوروبا بهذا التشجيع أن تورط أمريكا في حفر قبرها بيديها؟ لا أحد من أصدقائها المزعومين يحاول أن ينقذها من هوسها الجامح نحو حافة الدمار. تدخل أمريكا كل حرب بتحد: القسوة في مقابل الشجاعة، الغطرسة في مواجهة الإباء، التهور في منازلة الجسارة، العدوان أمام الدفاع، الاحتلال تصده أنفاس مقاومة نذرت نفسها للاستشهاد.

كلنا ضد الإرهاب لكن هل اتفق «كلنا» على تعريف موحد للإرهاب؟ في أحد متاحف باريس هناك رأس محنط للشهيد سليمان الحلبي قاتل المحتل الفرنسي كليبر، مكتوب تحت رأس شهيدنا: الإرهابي سليمان الحلبي قاتل البطل كليبر.

ماذا قالت إيطاليا وهي تحكم بالإعدام 15/9/1931 على بطلنا الشهيد عمر المختار، الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا سنوات طوال حتى استشهاده؟ قالت حيثيات الحكم الإيطالية إنها توقع الجزاء العادل على الإرهابي عمر المختار، الذي قاد التمرد ضد القوات الإيطالية النبيلة!

كل حرب عالمية قذرة، لم تتوان عن اختراع لافتة نبيلة ترفعها لتبرر عدوانها على البشرية بأسلحة الدمار، تحت علم الدفاع عن الحرية والديمقراطية وضد الفاشية وضد النازية ومن أجل سعادة البشر وإطعام الكادحين. وهذا كلام نقوله لندلل على أن لو كانت هذه الهبة الأمريكية البوشية ضد الإرهاب حقا، لما تزايدت ممارسات الإرهاب الصهيوني تحت مظلتها وتسارعت في إبادة الحرث والنسل الفلسطيني، وأبرزت تعبيرات التلذذ على وجوه أعضاء الكنيست في اجتماعاتهم وهم يتبادلون ما تجود به قرائحهم الجهنمية من جديد مؤلم يوقعونه على الفلسطينيين، وتسيبي ليفني تؤكد أنهم سيفعلون ما يرونه لمصلحتهم ولا تهمهم الإدانة الدولية. فهل هناك إيواء للإرهاب أكثر من إيواء الإدارة الأمريكية على طول تاريخها، لإرهاب الكيان الصهيوني؟ وهل هناك قرار إرهابي أخطر من إعلان الكيان الصهيوني المتكرر نيته في مواصلة الاغتيالات وتأييد أمريكا لهذه التصريحات؟

أريد أن أتكلم عن شعر إيمان مرسال خفيف الظل الذي تسميه «الشعر المدني»، وشعر محمد أبو زيد الذي أقول عنه «الشعر السريالي»، لكن هل لايزال لدينا الجرأة على الابتهاج؟

فيا ضفاف النيل بالله ويا خضر الروابي هل رأيتن....؟