غزة شموخ وعزة

TT

كم أتمنى أن يجتمـــــع الغزاويون ويقرروا أن يحذفوا نقطة الغين في «غزة» لتتحول إلى «عزة» ولتكون اسما على مسمى، لله در أهل غزة، إنهم أولي بأس شديد وعزة، ما أجلدهم!! ما أصبرهم!! ما أحزمهم!! ما أشد شكيمتهم!! تأففنا من البرد القارس هذه الأيام مع أننا نلتحف الفراش المخملية الوثيرة ، ونسكن البيوت ذات التدفئة العالية، ونأكل من قائمة الأطعمة المختلفة أكثرها بعثا للسخونة والدفء، وأهلونا في غزة العزة يضاجعون البرد ويتوسدون الثلج ويلتحفون الصقيع. يحاصر أهل غزة أعداء متنوعون، عدوهم الصهيوني الذي أحاط بهم إحاطة الساعة بالمعصم، وعداوة الصقيع والبرد الزمهريري الشرس ثم أخيرا الظلام، ذاك العدو الذي تكسرت نصاله على الجسد الغزاوي الصامد الصابر المحتسب.

الغزاويون صبروا أيضا على مضض أو برضا على (حماس) التي اختارت طريق المواجهة والتحرش بالإسرائيليين استراتيجية لها، هذه الاستراتيجية اتفقنا حولها أو اختلفنا كانت أحد أسباب معاناة قطاع غزة، وهي محصلة منطقية وطبيعية فنحن لا ننتظر من الإسرائيليين أن ينثروا باقات الورد والزهور على من أرعبهم بالصواريخ حتى ولو كانت «تنكا» كما يحلو للبعض أن يصفها ليقلل منها ومن تأثيراتها، المحصلة الطبيعية انتفاضة غزاوية ضد رواد الانتفاضة كما يراهن عليها الإسرائيليون ومعها خصوم حماس، إلا أن الغزاويين خيبوا توقعاتهم فلم تسير المظاهرات ضد حماس ولم تنظم الاحتجاجات، كل الذي فعله الغزاويون أنهم هدموا الحواجز التي تفصلهم عن أشقائهم المصريين الذين لم يخيبوا ظنهم فتعاملوا مع هدم الفلسطينيين للحواجز وفتح الحدود، على ما فيها من حرج سياسي وإشكال جغرافي، على قاعدة (لم آمر بها ولم تسؤني) فسجل المصريون موقفا مشرفا اصطادوا به عصفورين بحجر واحد، الأول رفع بعض المعاناة عن أشقائهم الغزاويين، وثاني العصفورين كرت أحمر شعاره «للصبر حدود» ضد الإسرائيليين ومن وراء إسرائيل الذين تمادوا في الحصار الإجرامي ضد القطاع.

عتبنا على الذين صبوا جام غضبهم ولومهم على «حماس»، ولا نعتب لأن هذه الحركة العنيدة خارج المحاسبة والمساءلة ولكن لأن التوقيت غير مناسب، ففي وقت حلول الكوارث واندلاع الأزمات الإنسانية تصبح المساءلة غير مقبولة، والتوبيخ نوع من قلة المروءة، وتعديد الأخطاء وفتح ملفات الغلطات والسقطات والجرح الفلسطيني ينزف تصرف غبي وتضييع للوقت والجهد، لو أن أحد اشقائك قاد سيارتك بسرعة ثم اصطدم بعمود إنارة فتسبب الحادث في جروح ونزيف وتلف كبير في السيارة، فهل من اللائق والمنطق أن تصرخ في وجه أخيك تلومه وتوبخه وهو ينزف ويتألم على السرعة التي سببت له هذه المعاناة وسببت لك هذه الخسارة؟ المنطق والعقل يفرض عليك المبادرة السريعة بالإسعافات الأولية ثم الذهاب به للمستشفى وحين تنقشع الأزمة ويشفى تراجعه وتؤنبه وتحاسبه، وهكذا الأمر مع من يخطئ حماس ويحملها مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، دعوا القطاع يتحرر من حصاره الإجرامي وأمنوا احتياجاته الضرورية ثم حاسبوا بعدها ولوموا من تشاءون.

أيضا، توبيخ حماس في وقت اشتداد الأزمة ووطأة الحصار على الفلسطينيين وتحميلها مسؤولية جريمة الحصار وقطع الامدادات الضرورية تكمن خطورته في أنه إشارة خضراء لقادة الصهاينة لمواصلة الحصار الإجرامي الظالم، لأنهم سيقولون (والحق ما نطقت به الأعداء).

[email protected]