أهم من الأخبار تفسيرها

TT

راقبوا وسائل الإعلام العربية بكل أنواعها، ولاحظوا من هم المتحدثون، والمبررون، ومن الذين يقومون بتفسير الأخبار، وضمان أن القطار يسير على المسار الذي يريدون. بكل تأكيد إنهم إيران، سورية، حماس، وحزب الله.

خطابات حسن نصر الله، وخالد مشعل، وتصريحات وليد المعلم، ومنوشهر متقي، ومن هم محسوبون عليهم، هي التي تملأ الإعلام. تلك الجهات، أو الأشخاص، لا يكتفون ببث الأخبار، بل وتفسيرها، وتفسير الخبر أهم من نشره. فما أن يصدر الخبر إلا وهناك من يشكك فيه، محاولا إعادة تفسيره، وإفراغه من محتواه. لا يكفي أن تبث الخبر، وتقول لقد قدمنا الحقائق للناس، فعندما تطلق السهم لا تقف خلفه داعيا، بل امنحه الزخم طوال الوقت، حتى الوصول للهدف.

في المؤتمرات السياسية ما أن يفرغ وزير خارجية إيران من إلقاء كلمته، إلا وتجده في بهو المكان مستقبلا الصحافيين، مصرحا، ومسربا، ومفسرا للأخبار، فتجد معظم وسائل الإعلام وقد خرجت في اليوم الثاني تحمل رسائل إيران، ناهيك مما تفعله السفارات الإيرانية من تسريبات، وكتابة للمقالات.

السوريون تعلموا اللعبة، فتجدهم متاحين لأي اتصال هاتفي، هم أو المحسوبون عليهم، مزودين بمعلومات وتفسيرات تدعم موقفهم، يتحركون مرة من خلال تصريحات غير منسوبة لمصدر، ومرة أخرى من خلال مؤتمرات صحافية، ليس تدعيما للحقائق، ولكن من أجل تبرير وجهة نظرهم حتى وإن كانت تنطوي على مغالطات.

أما في لبنان، فمريدو حزب الله يمسكون بهواتفهم منتظرين المتصل، كسماسرة البورصة، للتشويش، وإعادة التفسير، والتخوين والاتهام، مزودين بمعلومات وتفسيرات تنطوي على ما يخدم مصالح الحزب.

وفيما يخص حماس، فها هو خالد مشعل يطل من كل نافذة إعلامية، يفسر، ويبرر، ويخوّن، ويطالب، ويأتي من خلفه من يردد نفس اسطوانة زعيم حماس، وأفكاره. وعدد كلمات وظهور خالد مشعل وحسن نصر الله يضاهيان عدد ظهور وحديث أكثر المسؤولين عن الملفات العربية، ففي الحالة الفلسطينية، ما يفعله خالد مشعل، إعلاميا، يفوق ما يفعله الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

كل ذلك لكسب معركة الرأي العام العربي، واستمالته، ولذلك نجد الخطاب الشعبوي غير العقلاني هو الذي يسود في جل وسائل إعلامنا. ومهما قيل عن تأثير الرأي العام إلا ان هناك من يحسب له حساب، وبالتالي فإن ذلك لا يعني الصمت والتجاهل، بل المواجهة، وكشف المعلومات، وتفسيرها، وهذا أهم شيء.

الصمت حكمة، نعم! لكن للصمت عواقب كبيرة، أبرزها تقويض الخطاب العقلاني، وجعل المنطقة دائما على صفيح ساخن، خدمة لأجندة إيران وسورية، ومن يتبعونهما. لا يمكن أن نقبل بأن يسود خطاب الحركات على خطاب الدولة، وخطاب العواطف على خطاب المنطق.

ولذا يكون السؤال المستحق: أين المعتدلون؟

[email protected]