تعظيم سلام

TT

أقف احتراما للمسؤولين في تلك الشركة الهندسية السعودية التي أسندت 60% من أعمالها الهندسية لمهندسات سعوديات، فهؤلاء الشجعان آثروا ـ كما يقال ـ أن يضيئوا شمعة بدلا من الاكتفاء بمقت الظلام، متمنيا أن يكون ما فعلوه أول الغيث في منح المرأة الثقة للمشاركة في أعمال تعودنا ـ أو عودنا ـ أن تكون من خصائص الرجال، وكأني بالمهندسات المحظوظات في تلك الشركة يرفعن اليوم أمام الزبائن شعار: «جربتم الرجل المهندس فجربوا المرأة المهندسة»، فلعل ذوق المرأة ينقذ هذه المدن الإسمنتية، ويمنحها شيئا من النعومة والرشاقة والجمال، بعد أن طبعها الرجل بطابع الخشونة والذكورة والجفاف.

وأن تأتي هذه الخطوة من القطاع الخاص الذي يهمه الربح والخسارة، فذلك يعكس بيادر الوعي التي نبتت في هذا القطاع تجاه الثقة بالمرأة، وقدرتها على الإنجاز في حقول بعيدة عن دوائر العمل التقليدية التي حوصرت فيها المرأة منذ عقود، وعجزنا عن توسيعها، رغم تدفق الخريجات الجامعيات سنويا في مختلف التخصصات كالهندسة، والقانون، والديكور، والمحاسبة، وعلوم الحاسب الآلي، وغيرها من التخصصات التي ضاقت المساحة المهنية المحدودة المتاحة للمرأة عن استيعابها.. فهل نسكب الفائض من هذه التخصصات في البحر، كما كانت تفعل أمريكا بفائض قمحها؟!

منذ عقود ونحن نلوك عبارة «فتح مجالات عمل للمرأة تتناسب مع طبيعتها»، ولم يكلف أحد نفسه شرح هذه الطبيعة، التي لم تجد على مدى عقود مجالا رئيسيا غير العمل في مدارس تعليم البنات، حتى امتلأت تلك المدارس، وتضخمت، وفاضت، وعمت المدن والقرى والهضاب.. ثم ماذا بعد؟.. هل وقف «جواد» أفكارنا في العقبة، أم أن طبيعة المرأة لا تمتد لأبعد من هذا الحقل؟!

ماذا سنفعل بتلك الشهادات الكثيرة التي تعلقها المرأة في بيوتنا كمسحاة فلاح متقاعد؟!.. وأي حافز يمكن أن نغرسه في نفوس الصغيرات كل صباح، وهن يحملن حقائبهن المدرسية لينضممن بعد سنوات إلى ركب العاطلات؟!.. فالنتيجة سلفا قبض ريح..

ولصديقي الذي أنجب سبع بنات كل العذر في أن يواصل الجهد بحثا عن مولود ذكر، يحمل إضافة إلى اسمه نصف همه في إطعام هذه الكتيبة من المتعلمات العاطلات..

ولتلك الشركة الهندسية «تعظيم سلام».

[email protected]