البراغيث الديمقراطية

TT

أثار ما كتبته عن البراغيث قبل ايام تعليقات كثيرة من القراء. لم اكن اعرف ان للبراغيث مثل هذه الشعبية بيننا. ويؤسفني انني حتى الآن لم اسمع تعليقات البراغيث في الموضوع. يظهر انها براغيث عربية تخاف ان تبدي رأيها في أي شيء. ولكنني تسلمت من الدكتور عبد الهادي التازي، عضو اكاديمية المملكة المغربية نص كتاب الطرثوث في خبر البرغوث للإمام الجلال السيوطي، بعد ان قام الدكتور الفاضل بتحقيقه وتقديمه. وهو فضل كبير ستذكره البراغيث من اقصى المشرق لأقصى المغرب. والشيخ السيوطي هو صاحب كتاب «نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر». أنصح سائر القراء المقبلين على زواج، والحائرين بين السمراوات والشقراوات، ان يبادروا الى قراءته قبل ان يقعوا بمثل ما وقعت به لجهلي بآراء الشيخ الجليل.

يذكر الكتاب 77 شخصية من أعلام الفكر العربي الذين كتبوا عن البراغيث ويبين الاماكن التي تكثر فيها، وعلى رأسها بغداد. وهذا ما لم يعرفه جورج بوش في محاولة السيطرة على العراق وإقامة الأمن والسلام فيه. فالظاهر أن كل هذا السلوك الجنوني الذي يجري في العراق الآن يعود في الواقع الى لدغ البراغيث. ولو كنت في مكانه لبعثت اليهم برشاشات وبخاخات «دي دي تي» بدلا من الدبابات والمدرعات. وهذا خبر أسوقه لمنفعة الشركات الامريكية المتخصصة في صنع البخاخات.

يروي الإمام السيوطي ما يزيد على عشرة احاديث نبوية، منها، وهو ما رواه البيهقي، ان الرسول صلى الله عليه وسلم، سمع رجلا يسب البرغوث، فقال له: لا تسبه فإنه ايقظ نبيا من الانبياء لصلاة الفجر. وروى الطبراني عن علي، قال: نزلنا منزلا وآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله: لا تسبوها، فإنها ايقظتكم لذكر الله.

ويظهر ان البرغوث ايضا مخلوق ديمقراطي، فقد ذكر صاحب الكتاب ان هذا القزم العملاق يجر ذيله على الجبابرة ويهتك ستر كل الابواب ولا يحفل ببواب ولا تمنع منه اميرة. وفيه موعظة لمن يغتر بقوته فيريه كيف ان القميء الضعيف يستطيع على صغر حجمه أن ينتقم من الانسان القوي العظيم. وهو ما فعله بالحجاج بن يوسف الثقفي في الحرم حيث لقي مصرعه. ومن فوائده انه يمتص الدم الفاسد.

وهذا من أسرار ولع العرب في البراغيث، فأطلقوا عليه شتى الاسماء والكنيات، ومنها القذة والقذذ وطامر وابن طامر وأبو طافر وأبو الوثاب وأبو عدي، وهو ما اطلقه العراقيون على صدام حسين لقرابته بالبراغيث. ومن امثالهم، أطمر من برغوث، وأطير من برغوث، ولا افعله حتى تحج البراغيث، واكلوني البراغيث. وفي التبيان لابن العماد أن أبا هريرة كان يفلي ثوبه فيبدأ بالبراغيث ثم يعود الى القمل. فسألوه عن ذلك فقال: ابدأ بالفرسان ثم اكر على الرجالة.

وسألوا مالك بن انس عن البراغيث، املك الموت يقبض ارواحها؟ فقال: ألها نفس؟ قالوا: نعم. قال فإن ملك الموت يقبض ارواحها.