زمن الطموح: ولكن هل سمعت أميركا بهذه الجهود ؟

TT

ارتباطا بتأرجح الحملة الانتخابات الرئاسية الأميركية يبدو أن الطريق الواضح لتغيير العالم يمر عبر القضايا السياسية. ولكن أعدادا متزايدة من الشباب تقتحم ميادين المنافسة حيث يقومون بالمهمة بأنفسهم، وبهؤلاء أعني تحديدا المقاولين الاجتماعيين أو أصحاب المشاريع الاجتماعية، فهم الذين يقدمون من وجهة نظري إجابة القرن الحادي والعشرين على الطلاب المحتجين في ستينات القرن الماضي، وهم بعض من الناس الأكثر أهمية هنا في المنتدى الاقتصادي العالمي.

فأندرو كلابر (26 عاما) المتغيب عن معهد البزنس في هارفارد، ليأتي الى هنا مثال على المقاول الاجتماعي. فقد قضى الصيف بعد سنته الثانية في الكلية في تايلاند، وكان مرعوبا لرؤيته الفتيات المراهقات يرغمن على الدعارة بعد وفاة آبائهن بسبب الإصابة بالإيدز. ولذلك بدأ حملته الموسومة (أيتام ضد الايدز) التي تدفع التكاليف المرتبطة بالمدرسة لمئات من الأطفال الأيتام أو المتأثرين بالإيدز في دول فقيرة. ويتطوع هو وأصدقاؤه لقضاء وقت ودفع تكاليف إدارية من جيوبهم حتى يصل كل فلس إلى الأطفال.

وكان كلابر قادرا على توسيع منظمته غير الربحية في أفريقيا عبر ما قدمته جينيفر ستابل، التي كانت تسبقه بسنة عندما كانا في الكلية. فعندما كانت في السنة الثانية أسست ستابل منظمة في غرفتها لجمع نظارات القراءة القديمة في الولايات المتحدة وشحنها إلى الدول الفقيرة. وتلك المنظمة التي تحمل اسم (توحدوا من اجل النظر) اتسعت وفي العام الماضي وفرت رعاية طبية للعيون لنحو 200 ألف شخص.

وفي سنوات الستينات ربما كان أفضل الأميركيين هم العاملون في مجال الحقوق المدنية والمحتجون على الحرب الذين بدأوا حركات وتحركات بأشكال مختلفة هي التي أسهمت بقدر فعال في تحولات شهدتها البلاد.

أما في حقبة الثمانينات فالناس الذين كانوا في عداد من هم الأكثر جاذبية، فكانوا المقاولون من أمثال ستيف جوبز وبيل غيتس، والذين بدأوا شركات وانتهوا إلى جعل طريقة استخدام التكنولوجيا طريقة ثورية.

ومن هنا، وبإلقاء نظر على حقبتنا الراهنة، أو قل في الوقت الحالي، فالمقاولون الاجتماعيون في عداد ما يمكن أن يوصف بالشباب الرائع والطموح، الذين يرون مشكلة في المجتمع ويعبئون طاقاتهم من اجل معالجتها بطرق جديدة. وهنا يفضل بيل درايتون، وهو رئيس تنفيذي لمؤسسة تسمى أشوكا، تدعم المقاولين الاجتماعيين، أن يقول إن مثل هؤلاء الأشخاص لا يعطون للناس سمكا، ولا يعلمونهم كيفية صيد السمك، فهدفهم هو تثوير صناعة صيد الأسماك. وإذا كان ذلك يبدو طموحا غير منطقي، فان جون الكنغتون وباميلا هارتيغان أعطيا كتابهما الجديد حول المقاولين الاجتماعيين عنوانا مثيرا هو: «قوة الناس غير المنطقيين».

وتقدم الجامعات الآن دروسا في إقامة المشاريع الاجتماعية، وهناك عدد متزايد من الأشخاص الذين يلعبون دور المثل الأعلى. وحولت ويندي كوب اطروحتها في برينستون إلى «Teach for America» وأصبح لديها تأثير أكبر على المدارس أكبر من تأثير وزير التربية.

ومن بين أصحاب المشاريع الاجتماعية هناك الأردنية ثريا سالتي، 37 سنة، والتي تحاول تحويل العالم العربي من خلال تعليم كيفية إنشاء المشاريع في المدارس. وتدرب منظمتها الحالية المعروفة باسم (إنجاز) ما يقرب من 100 ألف طالب عربي كل سنة كي يجدوا المكان الملائم لهم في السوق ولصياغة خطة خاصة بالبزنس ثم إطلاقها والبدء بتغذيتها.

ويشمل البرنامج (www.injaz.org.jo)12 دولة عربية ويهدف إلى تعليم ملايين الطلبة سنويا. وتحاجج سالتي بأن أصحاب المشاريع قادرون على تحفيز الاقتصاد وإعطاء الشباب هدفا في حياتهم ويجدد الحياة في العالم العربي. وتستفيد الفتيات بالدرجة الأولى من هذا البرنامج الذي يحظى بدعم من وكالة التطور الدولي الأميركية. وتقديري هنا هو أن سالتي تساهم في تحقيق استقرار وسلام الشرق الأوسط أكثر من عدد الدبابات في العراق وأكثر من قرارات الأمم المتحدة أو اجتماعات القمة، فهي تقول: «لو أنك تستطيع الوصول إلى الشباب وتغيير الطريقة التي يفكرون وفقها، عند ذلك تستطيع أن تغير المستقبل».

كذلك هناك شاب آخر في سن السابعة والعشرين واسمه أرييل زيلبرستين من المكسيك قام بتأسيس شركة اسمها سينبوب، وهي شركة تقوم بعرض أفلام على شاشات قابلة للنفخ، ويعرضها للجمهور مجانا في الحدائق العامة. وأدرك زيلبرستين أن 90 في المائة من المكسيكيين لا يستطيعون الذهاب إلى السينما لذلك بدأ مشروعه: فهو يبيع حقوق الإشراف للشركات كي يعرض إعلانات على آلاف المشاهدين الذين يأتون لمشاهد أفلام مسلية.

ويعمل زيلبرستين مع وكالات تقدم قروضا صغيرة ومع منظمات معنية بالرعاية الاجتماعية لإشراك العائلات التي تأتي لمشاهدة أفلامه ومساعدتهم كي يبدأوا مشاريعهم، أو محاولة وضع استراتيجيات معهم كي يتغلبوا على الفاقة.

ولم يمض على هذه الشركة سوى 3 سنوات لكنها نجحت في كسب ما يقرب من 250 ألف مشاهد حتى الآن سنويا كي يشاهدوا الأفلام على شاشاته، وهدفه هو الاستفادة من النماذج المطروحة في البرازيل والهند والصين وبلدان أخرى تمكنت من تحقيق نجاح اقتصادي كبير.

إذن، ونحن نتابع الحملة الانتخابية علينا ألا ننسى بأن الفائز لن يكون الوحيد الذي سيصوغ العالم. فهناك شخص واحد سيصبح رئيسا للولايات المتحدة، بينما هناك الآن عدد غير محدود من أصحاب المشاريع الاجتماعية والذين يتمكنون من جعل الكوكب مكانا أفضل مما هو عليه حاليا.

* خدمة «نيويورك تايمز»