فرنسا والعرب: أفق للساركوزية

TT

تبدو السياسة التي تنتهجها فرنسا حاليا تجاه العالم العربي والاسلامي، مفتوحة على قراءات عديدة وآحيانا متضاربة، وهو ما يعني أننا لم نفهم بعد طبيعة التغييرات التي رسمها الرئيس نيكولا ساركوزي للعلاقات الفرنسية ـ العربية، بالاضافة الى أن نشاط الرجل وحركيته الواسعة والسريعة، قد فاجأت أغلب المتابعين لأفكار ساركوزي منذ أن كان وزيرا للداخلية وصولا الى الخطاب التسويقي أثناء حملته الانتخابية للترشح لمنصب الرئاسة.

لذلك فإن أغلب القراءات استندت الى إعجاب ساركوزي بالسياسة الأمريكية بحكم ايمانه الشخصي بالتمشي الواقعي والمصلحي وبراغماتية العم سام. وأضافت الى هذه المعطيات، صداقته مع إسرائيل وايضا مواقفه المتشددة من مسألة الهجرة وإبتكاره لما أسماه بالهجرة الانتقائية. دون أن ننسى مخاوفه من تعاظم حجم الجالية الاسلامية وخوفه على أوروبا من «الغزو» الاسلامي، وهو ما كشف عنه بشكل واضح موقفه الرافض لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي.

وبالنظر في هذه المواقف «الساركوزية» المتناثرة، توقع جانب من العالم العربي والاسلامي، إصابة العلاقات العربية ـ الفرنسية، بشيء من الجفاف، مما أنتج بعض المواقف المطلقة والتي من بينها أن جاك شيراك آخر الديغوليين.

وعندما نتأمل ونحصي بدقة ومثابرة ما يصح أن نصفه الحراك الاقتصادي، الذي يسعى ساركوزي الى إكساء العلاقات الفرنسية ـ العربية به، ربما نراجع الكثير من فهمنا للتغييرات القائمة على تغليب المصلحة الاقتصادية وجعلها في المقام الأول.

ويظهر أن هذه السياسة الجديدة هي ثمرة السياسة الفرنسية ـ العربية القديمة. بمعنى أن العلاقات التاريخية والقوية، التي عقدتها فرنسا مع العالم العربي خصوصا بعد نكسة 1967، قد مكنتها وبعد قرابة أربعة عقود من تحقيق المعرفة الكبيرة والعميقة بمختلف أبعاد وتفاصيل العالم العربي والاسلامي. لذلك يمكن القول إن ما يقوم به ساركوزي حاليا هو تصريف معرفة فرنسا بالعالم العربي وتلك الشراكة السياسية وتحويلها من رصيد معرفي سياسي الى رصيد اقتصادي مالي، يخضع الى ميزان اليورو.

طبعا لا يجب أن يفهم من هذه «القراءة» أن الشراكة الاقتصادية كانت منعدمة أو حتى متواضعة، بل المقصود أن ايقاع الديناميكية الاقتصادية وحجمها وأرقامها قد تنامى وتكثف بنحو يعتمد سرعة قياسية وأكثر من لافتة للنظر والعقل.

وأعتقد أنه في هذا الاطار من الفهم، يمكن أن نقارب العقود الضخمة الي أمضيت بين فرنسا ومجموعة من الدول العربية وفي نفس الاطار أيضا نفهم ما وراء تسويقها لموقفها الداعم لحق جميع الشعوب في الحصول على الطاقة النووية السلمية.

بل أن جغرافية «المصالح» قد توسعت وتجاوزت سياسة الاقتصار على بلدان افريقية ومغاربية كانت تحت هيمنتها الاستعمارية وهو ما تؤكده التحركات الأخيرة في منطقة الخليج، سواء فيما يخص العقود التي ستوقع بين شركات فرنسية والمملكة العربية السعودية في الأشهر المقبلة أو توقيع عقد بـ 470 مليون يورو مع الدوحة مقابل تأمين التغطية الكهربائية الكاملة. من دون أن ننسى اتفاقها ـ أي فرنسا ـ مع الإمارات العربية لإنشاء أول قاعدة عسكرية دائمة في الخليج العربي.

إذا هناك توسع جغرافي وتوسع سياسي (عودة العلاقات مع ليبيا وتعميقها مع كل ما ترتب عن ذلك من جدل حاد داخل النخب الفرنسية والحقوقية في فرنسا) وهو ما يعني أن ساركوزي يلعب في سياسته الحالية دور قطف الثمار وتمكين بلاده من سلال ممتلئة.

من هذا المنطلق، يصبح السلوك السياسي المنتظر من الأنظمة العربية والاسلامية هو التفكير في كيفية تحقيق الشراكة السياسية مقابل الشراكة الاقتصادية، التي تعرضها فرنسا بقوة، خصوصا أن ساركوزي في كل تحركاته لم يخف ما يريد وهو ما يحتم علينا مصلحيا أن نفكر في ما يمكن أن نأخذه نحن من فرنسا وذلك على ضوء حاجياتنا السياسية الراهنة.

[email protected]