حتى لا نظلم باكستان.. «القاعدة» من الأجانب وطالبان من شعبنا

TT

من الجلي ان الانتخابات التي ستشهدها باكستان في فبراير، يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة، وأضيف كلمة جديدة هي: سلمية. ولكن عندما أتحدث عن «جوهر الديمقراطية» فإنني أعني شيئا اكبر بكثير. ما هي الديمقراطية؟ إنها تفويض الشعب. فقد عملنا من أجل تفويض الشعب على كل المستويات. وعلى سبيل المثال لم تكن للنساء مقاعد في الحكومة، وفي الوقت الحالي لديهن 22 في المائة من مقاعد الجمعية الوطنية. وهن يحتفظن بمقاعد من المستوى المحلي، صعودا إلى كل مستوى في الحكومة. وقد سعينا،

وإلى حد كبير،إلى منح سلطات إلى الأقليات بالطريقة ذاتها.

وقبل كل شيء فإن التفويض يدور، على أية حال، حول النمو الاقتصادي حتى نتمكن من رفع مستوى معيشة الناس. وخلال السنوات الخمس الماضية، حققنا نموا سنويا بنسبة سبعة في المائة. ويحدد ميريل لينتش نسبة نمو تبلغ 6.8 في المائة في العام المقبل في باكستان، على الرغم من كل ما يحدث في بلادنا.

وإذا ما أراد الغرب أن يحكم على باكستان، فإنه ينبغي أن يفعل ذلك اعتمادا على أدائنا الاقتصادي وكيفية تحقيقنا الرفاه للشعب واستقرارنا السياسي. ولذا يمتد رجائي بألا يتم الحكم علينا على أساس أفكار غربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تعد مثالية وقد تكون غير واقعية. فهذه بداية حكم خاطئ. المعيار يجب أن يكون الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي.

وقد قمنا بأشياء كثيرة لضمان عدم حدوث تزوير. وعلى سبيل المثال كانت هناك في الماضي قضية «مراكز اقتراع غير مشخصة». أما في الوقت الحالي فإن جميع المراكز مشخصة ومسجلة على الانترنت ليطلع عليها العالم بأسره. كما أن السجلات الانتخابية متيسرة للجميع للإطلاع عليها على الانترنت. وفي كل مركز اقتراع سيكون هناك ممثلون من كل حزب ليشهدوا على عملية الاقتراع. ويعرض الموظف المقيم في مراكز الاقتراع أمام الممثلين الصناديق الشفافة الفارغة قبل أن يختمها. وتلقى أوراق الاقتراع في الصناديق أمام كل ممثل لكل مرشح.

ومع ذلك، لنا أن نعترف أنه وحتى لو أعطيت القمر والنجوم إلى المعارضة، فإنها ستقول إن هناك تزويرا. ولكنني واثق بأن هذه الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة. وهنا أتساءل: ما الذي يمكن للمرء فعله أكثر من هذا؟

أما حول ما يثار عن قضية رئيس القضاء، فهنا أيضا أتساءل: إذا كان رئيس القضاة في بلاد متورطا في الفساد ويمارس المحسوبية، ويؤثر على قرارات المحاكم الدنيا لأغراضه الشخصية، فما الذي يجب فعله؟

لدينا، وبموجب الدستور الباكستاني، أنه ليس هناك من هو فوق القانون. ويمكن لقضية اقالة قاض أو رئيس قضاة سيئ الأداء أن تكون في إطار مجلس القضاء الأعلى المؤلف من ثلاثة من كبار قضاة المحكمة العليا، واثنين من كبار قضاة المحاكم المنطقية.

وهنا لا بد من التذكير بأنه لم تجر إقالة أي شخص من قبلي. لقد جرت بصورة سليمة وفقا لنظامنا. فما هو الشيء غير الدستوري أو غير القانوني بشأن ذلك؟

وإذا كان رئيس القضاة هذا نفسه مع زمرته، يحاولون أن يزعزعوا ويشلوا الجهاز الحكومي وتحدي سيادة البرلمان الذي انتخب الرئيس، فكيف يمكننا السكوت على ذلك؟ إنه نوع من السخرية من النظام.

علينا أن تنظر إلى باكستان عبر عيون باكستانية لا عبر عيون منظمات حقوق الإنسان الايديولوجية، التي لا تدرك الواقع، أو عبر وجهة نظر غربية للديمقراطية.

أنا سأعمل مع أي حزب أو أي ائتلاف يصل إلى السلطة عبر انتخابات فبراير، ويختار رئيس وزراء.

رئيس الوزراء هو الذي يدير باكستان. لكن حينما يكون الأمر متعلقا بـ«الوكالات القبلية المدارة فيدراليا»، فإن التنسيق مع الحكومة الجديدة يكون مطلوبا، فيما تأتي هذه الوكالات مباشرة تحت سلطة محافظي الأقاليم والرئيس.

وبالنسبة لـ«الوكالات القبلية المدارة فيدراليا» فنحن بحاجة إلى مقاربة صارمة. نحن بحاجة إلى أن نعثر على أعضاء «القاعدة» ونحاربهم ونطردهم. فهم أجانب على أرضنا. أما بالنسبة لطالبان فهم من شعبنا. مع الحالة الباكستانية علينا ان نتذكر أن هناك أيضا عنصرا سياسيا يتضمن الاندماج في التيار العام مع عنصر سوسيو ـ اقتصادي: فلكي تخرج الناس من الفاقة وتجعلهم أقل عرضة لتأثيرات المتطرفين، نحن بحاجة إلى تحقيق نمو اقتصادي متواصل، ولذلك نحن بحاجة إلى استقرار سياسي.

أخيرا، نحن بحاجة طبعا إلى إيقاف أي تسلل للحدود تقوم به أي حركة ما بين أفغانستان وباكستان. يجب عدم السماح للمتطرفين بالمرور في كلا الاتجاهين.

فخلال عام 2000 وبعد خمسين عاما على تأسيس باكستان، فهمنا حقيقة عدم قيامنا بدمج «الوكالات القبلية المدارة فيدراليا» دمجا ناجحا في المجتمع الباكستاني. لذلك نحن أطلقنا مبادرة للتحرك بذلك الاتجاه. لكن أحداث 11 سبتمبر غيرت ذلك. سابقا كانت الشخصيات القبلية البارزة، هي التي تمتلك التأثير على الجمهور. والآن أصبحت طالبان هي المهيمنة على «الوكالات القبلية المدارة فيدراليا» من الناحية السياسية والعسكرية. وهي لم تكن تمتلك أية سلطة أو هيمنة في السابق، لكنها الآن تمتلكهما. وإذا أردنا أن نحقق حلا سياسيا الآن مع قوى طالبان الموجودة في «الوكالات القبلية المدارة فيدراليا»، فإن الوضع سيكون أكثر تزعزعا.

بدلا من ذلك، علينا الانتظار الآن لتحقيق الاستقرار أولا قبل العودة إلى طريق الدمج، لأن الوضع مختلف جدا عما كان عليه قبل 11 سبتمبر.

يمكن القول إن للهجمات الانتحارية بعدا اقتصاديا ـ اجتماعيا. وضمن المدى القصير، نحن بحاجة إلى أن نصل إلى أولئك الذين غسلوا عقول أولئك الأطفال غير المتعلمين والفقراء والأميين. فأكثر العمليات الانتحارية في باكستان قابلة على التعقب، وهي تنتهي بوكالة وزيرستان الجنوبية. نحن بحاجة إلى التوجه إلى المصدر وتعقبه.

ودعونا نتساءل: من هم هؤلاء الصغار الذين يمكن غسل أدمغتهم كي يفجروا أنفسهم؟ إنهم شديدو الفقر والأمية تماما. ربما هم أقل من المستوى الطبيعي من الناحية العقلية. أنا شاهدت أفلام فيديو لعمليات انتحارية، حينما يظهر شاب يرتدي حزاما ناسفا، وهو يتحدث مع أمه وأبيه وأخوته وأخواته قائلا لهم: «أنا بخير، أنا ذاهب إلى الجنة، أنا سأفتح الطريق لكم جميعا كي تأتوا لاحقا».

القدرة على الاعتقاد بهذا النوع من الأفكار ناجم عن الأمية. وإذا كنت في حالة بؤس في هذا الحياة، وتظن أنك ستصبح شخصا عظيم الشأن في الجنة، فإنك ستقوم بذلك. لذلك فإنه وعلى المدى البعيد، نحن بحاجة إلى معالجة قضيتي الفقر والأمية.

* رئيس باكستان. والمقال مأخوذ من حوار أجرته معه خدمة «غلوبال فيو بوينت» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)