تقرير مخيف

TT

لم يعد «جديدا» ولا أمرا مفاجئا، أن يتم تذكيرنا بأن التعليم هو أحد أهم ركائز التنمية للدول، وأنه أهم مؤشرات معايير التقدم والنجاح. وأن الشعوب والدول تقاس ويتم تقييمها بقدر تفوق وفعالية النظم التعليمية فيها. واليوم يأتي تقرير محايد ومستقل صادر من أهم دار للاستشارات، وهي شركة ماكنزي وشركائه، تقرير عن وضع وحال التعليم في العالم العربي، مقارنة مع مثله في دول أخرى حول العالم، والحقيقة أن الارقام التي يقدمها التقرير (وهو المعد بمهنية لافتة واحترافية واضحة) تبدو خطيرة، وتنذر بكارثة هائلة. فالتقرير يوضح وجود لبنان، والأردن، وتونس، ومصر، والبحرين، وفلسطين، والمغرب، والسعودية في مراتب متدنية وأقل بكثير من المعدل الدولي في مواد الرياضيات والعلوم، ويوضح أيضا أن طلبة الصف الثامن (كمعدل عام) في العالم العربي، لم يثبت أن لديهم مهارات في مواد الرياضيات بشكل مقنع، ويظهر أيضا التفاوت الخطير في الأداء التعليمي بين الاناث والذكور، كما يبرز هشاشة وضعف الهيكلية التعليمية الموجودة للتعليم المهني والفني، وكيف أن غياب الكليات العامة ذات برنامج السنتين، أدى الى إحداث هرم تعليمي مقلوب، ينحصر في الجامعات والمدارس التقليدية. وتأتي بعد ذلك احصائية مفزعة (ولكنها حتما تعكس الواقع الحزين للحال المعاصر للتعليم المهني) وهي أن 12% فقط من خريجي المعاهد الفنية، ينضمون فورا الى سوق العمل، ‍وتأتي اللغة الانجليزية وحلول المشاكل، كأهم مشكلتين تواجهان خريجي المعاهد الفنية، ويذكر التقرير أيضا بعض الاحصاءات المهمة واللافتة عن حال التعليم الجامعي، فينذر ويقول إن فقط 4% من الملتحقين بالجامعات يتوقعون ان يكملوا المشوار ويتخرجوا فعليا. ويوضح التقرير أيضا أن هناك العديد من المهارات الناقصة التي يحتاج لها الخريج ويفتقدها سوق العمل. هذا التقرير الجاد يجب أن يؤخذ بمحمل استثنائي من الجدية، فهو يقدم بأدلة جديدة ودامغة الوضعية البائسة والحزينة للتعليم العربي، ويبين أن الحلول التي قدمت للآن غير كافية (مع بالغ الاحترام لمقولة أنه يجب منح هذه الحلول الوقت الكافي لإظهار نتائجها) إلا أن بعض الآثار والنتائج يجب أن تكون قد ظهرت حتى هذه اللحظة. حال الانكار المهول والدفاع الواهي عن «أمجاد» التعليم و«انجازاته» في العالم العربي، بات ضروريا أن يؤخذ بكثير من الريبة والقلق والشك من تلك المقاصد والنيات، فمن الواضح أن هناك «سدا» رافضا لفحوى التطور والاصلاح التعليمي، ويعتقد أن الدفاع عن حال التعليم والابقاء عليه كما هو، جزء من الحفاظ على الهوية والثوابت والخصوصية، وغيرها من الديباجات المعدة سلفا والمسبقة التغليف التعليم لا يزال الى اليوم لا يحظى بنفس المكانة ولا الموقع الاستراتيجي مثل الأمن والدفاع على سبيل المثال، مع عدم اغفال أن التعليم، اذا ما تم تطويره، يمكن اعتباره خط الأمن والدفاع الأول لكل البلاد من أوهام التطرف والإرهاب والبطالة والجريمة. تقارير الخبراء العالمية، لن تكون هي الدليل المطلوب لمعرفة سوء الوضع التعليمي في العالم العربي، ولكن الأرقام المفصلة والبيانات التنموية، تبين بشكل واضح أن المسألة خطيرة، وتتطلب تطوير وسائل التعليم وأساليبه، قبل تفاقم المشكلة وتضخمها. وهي بمثابة انذار لا يمكن اغفاله.

[email protected]