خيار حماس: الحكم أولا

TT

عمليا أعادت الاحداث التي بدأت منذ الاربعاء الماضي بنساء واطفال، ثم بمتفجرات وبلدوزرات، الى الواجهة من جديد ما يفكر فيه بعض السياسيين الاسرائيليين وهو العودة الى وضع اشبه ما كانت عليه غزة قبل حرب 1967 حينما كانت تحت الادارة المصرية المؤقتة بحيث تتخلص اسرائيل التي اعلنت القطاع كيانا معاديا من مسؤوليته تماما كقوة احتلال عليها مسؤوليات دولية وتقطع كل روابطه ويصبح مشكلة مصرية ـ فلسطينية إداريا وتنظيميا ولوجيستيا.

ولم يخف مسؤولون اسرائيليون منذ فترة طويلة عدم حماستهم في الاحتفاظ بغزة، الذي يمثل مشكلة امنية وديمغرافية عبئها أكثر من فوائدها الاستراتيجية، وتكلفة السيطرة عليه عالية خاصة بعد ان تدهورت الاوضاع هناك معيشيا بسبب الحصار وانتشار الوجود المسلح وتعدد الميليشيات والتنظيمات.

واسهمت اسرائيل بسياسة العقاب الجماعي وتشديد الحصار وهو ما تسبب بأوضاع صعبة دفعت سكان القطاع في الاتجاه المعاكس لها، لكن حماس ايضا، التي يبدو ان اولوية تمسكها بالسلطة والحكم في القطاع تفوق أي اولويات اخرى، اسهمت في دفع الاهالي الى نفس الطريق وكأن مشكلة القضية الفلسطينية هي العبور الى مصر وليس التواصل مع الضفة الغربية، مكررة بذلك نفس الاخطاء التي ارتكبتها حركات وتنظيمات اخرى خلال المسيرة الفلسطينية في فترات تاريخية سابقة في الاردن وفي لبنان.

من المفهوم ان هناك معاناة وان هناك احتياجات لسكان غزة تحتاج الى تلبية بما في ذلك السفر والخروج والحصول على المؤن، لكن هناك ايضا حلولا مطروحة منذ فترة ترفضها الحركة ويمكن أن تعيد فتح المعابر سواء الى مصر او الى الضفة الغربية، وهي تسليمها الى السلطة الفلسطينية التي عرض رئيسها محمود عباس استعداده لتسلم المعابر وادارتها حسب الاتفاقات الدولية المبرمة بشأنها.

لكن هذا الحل ينتقص من السلطة التي حصلت عليها حماس والتي جعلتها القوة المهيمنة المسيطرة هناك، وهي كانت تشعر مع حالة العزلة والإغلاق والتدهور اليومي في الاوضاع المعيشية ان الخناق يضيق عليها، فأي حكومة لا تستطيع تأمين معيشة الرعايا الذين تحكمهم تفقد تدريجيا مشروعية السلطة أيا يكن حجم السلاح معها، وقررت الحركة الهروب الى الامام باتجاه الحدود المصرية مع محاولة استغلال الوضع لفرض شرعية جديدة معترف بها اقليميا، على الاقل إن كان ذلك صعبا دوليا.

والحقيقة انه هروب مؤقت، فحتى لو استمرت الحدود بهذا الشكل الفوضوي فإنها لن تحل شيئا من الأزمة الفلسطينية القائمة، فالمتسوقون ستنفد نقودهم بعد فترة طالما انه لا توجد أشغال ولا أعمال كافية في القطاع تؤمن دورة اقتصادية كافية لتوليد دخول إلا اذا حدث نزوح جماعي للسكان ونصبح أمام أمر واقع جديد، أما الاتفاقات الخاصة بالمعابر فلن تستطيع دولة او سلطة تغييرها من طرف واحد وإلا خاطرت بفقدان مصداقيتها مع المجتمع الدولي.

خلاصة الكلام هناك الآن حديث عن استعداد المبعوثين الاوروبيين للعودة الى معبر رفح، واستعداد من السلطة الفلسطينية المتفق معها على ادارته للعودة لتسلمه لتسهيل حياة الفلسطينيين الراغبين في السفر، والكرة الآن في ملعب حماس لتفاضل بين مصلحة اهالي غزة، او مصلحتها هي في الحفاظ على سلطتها المطلقة، ومحاولة فرض شرعيتها على الجيران ليبرموا معها هي الاتفاقات وليس مع محمود عباس.