اغتنم من الحاضر لذاته

TT

هل سبق لأحد منكم أن سرق أو انسرق؟! أو نشل أو انتشل؟!، قد لا يستطيع البعض منكم الإجابة عن هذا السؤال الفج، لأنه لم يحصل له ذلك، أو لأنه يخجل من أن يعترف بذلك، ولكنني بالنيابة عن الجميع أقول بمنتهى البراءة والشفافية إنه سبق لي (عدّة) مرات أن سرقت وانسرقت، ونشلت وانتشلت، من دون أن يؤنبني أي ضمير، أو يرف لي أي رمش، أو احتج أو أصرخ أو أشكو، لأن ملعب الحياة عندي هو: يا سارق يا مسروق، (يا قاتل يا مقتول).

ولا يمكن أن أنسى أغنية شادية التي تفتحت عليها أذني في مقتبل حياتي العاطفية، عندما كانت تغني، وتقول: يا سارق من عيني النوم، وكلما انتهت تلك الأغنية أعدتها مرة أخرى، إلى درجة أن مبدأ السرقة قد تأكد وترسخ عندي، فصممت من يومها أن أسرق النوم بقدر ما أستطيع من أكثر العيون جمالاً ومغناطيسية.. وهذا هو ما تأكد لي فيما بعد عندما شاهدت شلالات الدموع وهي تنهمر على الخدود الأسيلة، وكنت وقتها أقف مبتهجاً مثل (نيرون) عندما وقف يتأمل روما وهي تحترق.

فهل معنى ذلك أنني جبار وظالم؟!

لا أعتقد أنني جبار، لأنني للأسف لا أملك الوسائل الكافية للجبروت، ويا ليتني أقدر. ولكن لا شك أن الظلم وارد عندي جداً، فهو من (شيم النفوس) مثلما صمم الشاعر انه كذلك، وصدقته على تصميمه ذاك.

غير أن ظلمي في الواقع هو (على خفيف)، ولا يؤذي كثيراً، وإنما (يحرقص) بعض الشيء.. وأكثر الناس الذين ظلمتهم، هم أكثر الناس الذين أحببتهم في حياتي.

ولكنني من النوع الذي (يجرح ويداوي)، ثم يدلّع بعد ذلك.

لا أذهب بعيداً في وسائل (تعذيبي وتعزيري) للآخرين.. أتركهم يترنحون مفجوعين على حافة الهاوية، ولكني أظل ممسكاً بهم كي لا يسقطوا.

أوردهم للهلاك حتى الرمق الأخير، وفي آخر لحظة، أسقيهم أكسير الحياة بكأس من الكريستال.

أسرق قلوبهم بالطرق المشروعة وغير المشروعة، سواء كانت مستقيمة أو ملتوية، فهذه بالنسبة لي لا تهم أبداً، فالغاية عندي تبرر الوسيلة، بل وتستلذ وتفتخر بها.

فلا شيء يعادل، أو يضاهي، انتزاعك قسراً بيدك الحنونة قلباً من جوف إنسان وهو مضمخ بالدماء وينبض بالعشق والمحبة لك، وكأنه يدعوك ويرجوك أن تزيد في تعذيبه وتمزيقه أكثر.

ليس هناك روعة في الدنيا كلها تعادل أن تمتع ناظريك بمشاهدة من يتعذب من أجلك، وأكثر روعة من ذلك أن تحتويه أنت فيما بعد بين أحضانك، وأن تكفكف دموعه، وتربت على ظهره قليلاً، وتقول له: أنت صدقتني؟!، إنني أمزح.

نصيحتي هي: عذِّب الآخرين بقدر ما تستطيع، افترسهم بمحبتك، لا تترك لهم مجالاً أن يفلتوا من قبضتك، طاردهم، حاصرهم، اعتقلهم، كبِّلهم، اطرحهم أرضاً، ضاعف عليهم العقوبة بقبلاتك النارية الملتهبة، لا ترحمهم من ذلك أبداً، ولا تترحم عليهم كذلك.

إنك الآن حي وهم كذلك أحياء، وإنك ميت فيما بعد وهم كذلك أموات.

فاغتنم من الحاضر لذّاته.. حتى ولو (بالمشعاب).

[email protected]