المطلوب رقم 1

TT

مع كل معرض كتاب يقام في العالم العربي يزداد عدد الرقباء الرسميين والمتطوعين والمتطفلين، وتنشأ عن تلك المعارض قوائم بالكتب الممنوعة، التي تصبح المطلوب رقم واحد بالنسبة للقارئ لاعتبارات سيكولوجية، أهمها معرفة أسباب المنع.. وقد رافق معرض الكتاب الدولي بالقاهرة هذا العام ما يرافق كل معارض الكتاب في العالم العربي من الضجة الإعلامية التي تثيرها بعض دور النشر للترويج لكتبها الممنوعة، وضمت القائمة الممنوعة هذا العام أسماء عدد من الإصدارات التي لو تركت وشأنها لما تنبه لها أحد، لكن «فهلوة» الناشر تدفعه إلى استثمار هذا المنع في صناعة شهرة هذه الكتب، فتصبح الحبة قبة.

والرقابة على الكتب في عصر «الإنترنت» رقابة محكومة بالفشل، وهي مجرد حضور رمزي وشكلي يستهدف في الغالب إرضاء الشريحة الاجتماعية المحافظة التي تؤثر الإبقاء على الشكليات التقليدية للحراسات الفكرية، لأنك إن نجحت في منع الكتاب الورقي، ماذا بوسعك أن تعمل لصد الكتاب الإلكتروني؟!.. فمراقبة الكتاب اليوم أشبه ـ كما يقول الصينيون ـ بالبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، وتصبح خيبة الفرد أكبر حينما لا يكون للقطة وجود من الأصل في الغرفة!

في العالم المتقدم اليوم لا يمنع كتاب من النشر إلا لأسباب قانونية قصوى، وعددها في كل دولة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما لكل دولة في عالمنا العربي مكتبة كاملة وشاملة من الكتب المقبوض عليها، والمحكومة بالمنع المؤبد، ومع هذا لا أعرف مثقفا واحدا لم يدفعه الرقيب للبحث عن هذه الكتب وقراءتها رغم تفاهة بعضها ورداءته.. فحال الكثير من تلك الكتب الممنوعة كحال طيور القطا، لو تركت لنامت على أرفف المكتبات، ولن يتنبه لوجودها أحد.

وللفلسفة الهندية موقف مبكر رائع في مواجهة رياح الأفكار، عبر عنه الزعيم غاندي قائلا: «دع الرياح تهب عليك من كل الاتجاهات، لكن لا تسمح لأي منها أن تقتلعك من تحت قدميك»، كما عبر عنها الفيلسوف الشاعر طاغور بقوله: «إذا أنت أغلقت بابك دون الزيف والضلال امتنعت عنك الحقيقة».. وبدلا من نصب الشباك لاصطياد فراشات المستحيل دعونا ننمي بالتربية في ذواتنا القدرة على محاكمة الأشياء، وهذا وحده خط الدفاع الذي يدوم.

[email protected]