تحسين المعيشة ليس زيادة مرتب

TT

في كل مكان ارتفاع الأسعار المتسارع بات محل النقاش سواء في الأدوار العليا، حيث يصنع القرار، أو في مجالس عامة الناس، وهم الذين يدفعون الثمن مباشرة. وكثيرون لا يفهمون معنى كلمة تضخم، ولا لماذا ترتفع الأسعار. وهم معذورون، لأن المسألة ليست دائما واضحة، وعلاجها دائما محل خلاف بين أهل الاختصاص من اقتصاديين وإداريين حكوميين.

لكن رغم غموض كلمة تضخم، فالفرد العادي يدري أن برميل النفط كان يباع بعشرين دولارا قبل ثلاث سنوات قريبة واليوم يباع بأكثر من تسعين دولارا. وبالتالي يعرف أن الدخل زاد سبعين دولارا، وقد لا يفهم لماذا ترتفع أسعار السلع. ربما لا يعلم حجم تداخل النفط في حياته الذي يدخل في كل شيء تقريبا من تحسين معيشته أو تلويث هوائه. فهو يدخل في كل شيء، بشكل مباشر او غير مباشر من الملابس والأدوية والدهانات والحديد وآلاف السلع المنحدرة من عائلة البلاستيك، دعك عن وقود السيارات والطائرات والجرارات الزراعية والسفن. ومن اجل مواجهة الارتفاع الذي سيزداد سوءا لا خيار أمامنا سوى تطوير امكانات الفرد العادي حتى يصبح منتجا مفيدا في مجتمعه لا عالة على النفط والعطف الحكومي.

ففي المجتمعات الأبوية تبقى الدولة متورطة لأنها الموظف الرئيسي للمواطنين ومسؤولة عن تأمين خبزهم وأرزهم ومياههم وأدويتهم وسفرهم. ومهما رفعت مرتب الموظف فان ذلك وحده لا يحل أزمة العائلة، التي تريد المزيد من المال، مع تزايد مطالبها، مع تزايد حاجتها، مع زيادة عدد أفرادها، وأعمارهم، وهذه أمور لا علاقة لها بالتضخم.

الحلول الأهم استراتيجية، فتأمين وظيفة جديدة لأحد أفراد العائلة هو أفضل من منح الأب زيادة في المرتب. أي أن توظيف الزوجة مثلا يعني تلقائيا رفع المستوى المعيشي لكل العائلة. لهذا نحن، لا نتحدث عن العدل فقط عندما ندعو إلى تأهيل وتوظيف النساء، بل أيضا من اجل رفع المستوى المعيشي للعائلة. أما الذين يحاربون حق المرأة في العمل، أو محاصرتها في وظيفة أو اثنتين، فهم غالبا إما أناس يستمتعون بمداخيل كافية، أو أنهم يريدون فرض الشقاء على الجميع ويريدون من الحكومة تحمل أعباء مثل هذه العادات الاجتماعية المكلفة، والقيود المجحفة.

على مستوى القرار الاستراتيجي فان رفع المستوى التعليمي والتدريبي والتوظيفي هو الذي يحسن الوضع المادي لملايين المواطنين، وليس مجرد زيادة رواتبهم. فالكفاءة الفردية تعني تلقائيا وظيفة أفضل ومرتبا أعلى لكل أفراد العائلة. الآن بتعليم رديء، وتدريب محدود، ونساء قاعدات في بيوتهن، ينخفض المستوى المعيشي للأسرة مهما ارتفعت نسبة مرتب. وأنا أؤيد رؤية الوزير غازي القصيبي، وزير العمل السعودي، الذي يريد فرض عمالة أجنبية اقل وعمالة مواطنة أكثر، لكن الأمر يتطلب سلسلة مترابطة من الاجراءات تعليميا، وتدريبيا، ومعلوماتيا، وتوسيع عمل المرأة، وفرض قرارات غير شعبية. هذه قضايا استراتيجية، وحاسمة، وقد تعارضها فئة جاهلة تستحق أن تشرح لها الأسباب وتسوق لها المبررات من اجل المصلحة العامة. ففي البلاد ملايين الأجانب العاملين في كل الحقول من الطبخ إلى الطب، وهناك آلاف الشباب والشابات العاطلين عن العمل. نتحدث عن ملايين من الناس، معظمهم من النساء، لو وجدوا الوظائف لتغيرت الأوضاع المعيشية كثيراً إلى الأفضل.