الزئبق الأحمر

TT

إشاعة جديدة خرجت من مصر وانتشرت في العديد من البلدان العربية. الإشاعة تقول إن الزئبق الأحمر موجود في مصر، وإن هناك البعض الذي عثر عليه داخل منطقة الرقبة في المومياوات الملكية، وإن مَنْ يملك هذا الزئبق يستطع أن يسخِّر الجان ويجعلهم طوع أمره يأتون له بما يأمرهم به، وقيل أيضاً إن لهذا الزئبق قدرة على الشفاء من المرض.. وبسرعة البرق انتشر الخبر حتى وصل إلى المثقفين والعامة، وكان هناك العديد من المواطنين يسألونني عن هذا الموضوع وحقيقته، بل ووصل الأمر إلى حد أن جاءني أحد خبراء السياحة، وهو على درجة كبيرة من العلم والثقافة، ووجدته يؤكد لي أن الزئبق الأحمر حقيقة وليس مجرد وهم، وأن هناك بمصر عددا من السراديب السرية مليئة بمومياوات ملكية وداخل منطقة الحلق بهذه المومياوات، يوجد السر العظيم للزئبق الأحمر.. وقد اتضح أن هذه الإشاعة أطلقها بعض محترفي النصب الذين اعتادوا نصب شباكهم لإيقاع السائحين خاصة الأثرياء.. ومن قصص الوهم أو (الفهلوة) كما يسميها المصريون، هناك قصة شهيرة يرددها أهالي الأقصر، وهي أن أحد المرشدين السياحيين، وهو من غير المثقفين، وجد أن أحد تجار الآثار المعروفين قد توفيَّ وأقام أهله سرادق العزاء.. ومن المعروف أن سرادق العزاء في الأقصر يقدم فيه القهوة، وفي بعض الأحيان تقدم أنواع من السجائر إلى الحاضرين في الأوقات التي لا يُقرأ فيها القرآن.. ويبدو أن المرشد وجدها فرصة للحصول على بعض المال من السائحين، وقال لهم إن هناك قرآن يتلى Party (حفلة قرآن)، ومن يرِدْ الحضورَ فعليه دفع عشرة دولارات. وطبعاً كانت فرصة للسائحين للحضور. وعندما وصل هؤلاء إلى سرادق العزاء اعتقد أهالي المتوفى أن هؤلاء الأجانب هم من العملاء الذين تعاملوا مع المرحوم في تجارة الآثار، ولذلك استقبلوهم استقبالاً حاراً وقدموا لهم المشروبات وسمعوا الآيات القرآنية، وهم لا يفهمون ما يحدث.. وموضوع الزئبق الأحمر يتطابق تماماً مع هذه القصة. فهناك بعض الناس الذين تواجههم مشاكل صحية يعجز عن حلها الأطباء ولذلك تجدهم يتمسكون بأي خيط ولو كان ضعيفا أو أي بارقة أمل في الشفاء.. وفي إحدى الجلسات بصالون أنيس منصور، وجدنا أن بعض الحاضرين يتحدث عن موضوع الزئبق الأحمر بل ويشير إلى أنه شاهد هذا الزئبق بعينيه عند أحد أصدقائه في منطقة مصر الجديدة. وكان أنيس منصور يضحك ولا يعلق، ولم أجد غير أن أطلب من هذا الشخص أن يأخذني لمقابلة صديقه الذي يمتلك هذا الوهم.. وهو الزئبق الأحمر، وبالطبع لم يفعل. واتصل بي بعض الصحفيين يسألون عن تفسير هذا الموضوع، ولم أكن أجد أي إجابة غير أنني قمت بالعديد من الحفائر العلمية في العديد من المناطق الأثرية بمصر، واكتشفت مومياوات كثيرة، ولم يحدث أن اكتشفت أي زئبق سواء أحمر أو أبيض.. لقد انتشرت الإشاعة وكتبت الصحف تنبه الناس إلى أسطورة الزئبق الأحمر لكي لا يقعوا فريسة للنصابين، وللأسف جَرَى كثيرٌ من الناس وراء هذا الوهم الذي أفقدَهم أموالهم. وأغرب ما حدث كان حضور أحد الأثرياء العرب لمقابلتي، ويطلب مني أن أحضر له بعضا من الزئبق الذي عثرت عليه داخل المومياوات التي أقوم باكتشافها، وكنت في ذلك الوقت قد كشفت عن وادي المومياوات الذهبية بالواحات البحرية.. وللحديث بقية.

www.guardians.net/hawass