سوريا للعرب: سنحل كل المشاكل في القمة

TT

يقول مرجع عربي زار دمشق أخيرا إن لبنان مقبل على أيام صعبة، وسيشهد تكراراً للحادثة التي وقعت بعد ظهر الأحد الماضي وستبقى التوترات متنقلة، ويعيش اللبنانيون ظروفاً قاسية بانتظار الحل، لكن المرجع العربي يوضح أن أحدا لن يسمح بخراب لبنان الذي لن يشعر بالاستقرار قريباً ويقول: «من المستبعد وقوع حرب شاملة فيه، إنما هناك أمر أساسي يجب التنبه له، إذ يتوقع الاميركيون أن يحوّل «حزب الله» سلاحه إلى الداخل، وهذا لن يحصل، أما الذي سيحوّل سلاحه إلى الداخل فهو حركة «أمل»، لأن «حزب الله» يريد التفرغ للحدود، وإذ لم تعد هناك دولة لبنانية عندئذ يسيطر «حزب الله»، لذلك لا يناسب الغرب ولا إسرائيل أن يفلت الوضع، مع الإشارة إلى أن تسليح «أمل» يأتي من «حزب الله».

وماذا عن سوريا يجيب المرجع العربي: «أن سوريا قلقة من اندلاع الحرب في لبنان، لم تقوَ سوريا في الماضي إلا عندما «لملمت» اللبنانيين، وفرضت الهدوء في لبنان بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبت. إذا خرب لبنان تتضرر سوريا بشكل مباشر». ويضيف المرجع العربي أن اتفاقاً سورياً ـ سعودياً ـ مصرياً يساعد اللبنانيين على إيجاد تعريف جديد لوطنهم. ويضيف: «لقد تعقّد الوضع اللبناني كثيراً، صار هناك شيء اسمه السنّية السياسية، والشيعية السياسية، في السابق كان العرب يرون انه لا بد من حماية المسيحيين في لبنان لأنهم يشكلون استثماراً، ويظهرون للغرب نجاح تداخل الأديان، وكان ذلك أفضل من أن يهاجر المسيحيون فتبهت المنطقة، هذا الطرح ضعُف كثيراً بعد اتفاق الطائف».

ويبدو، انه بعد غزو العراق، والكسب الذي تحقق لإيران من جرائه، وبعد حرب تموز/ يوليو 2006، صار الشيعة في لبنان يريدون اعترافاً بهم. وحسب محدثي فإنهم «ثلث الشعب ويريدون المشاركة في السلطة بحصة الثلث وهذا يفترض تغيير الطائف على المدى البعيد، أي المثالثة».

ويقول إن المشكلة في لبنان، أن السنّي كان دائماً الموفّق، ويُقدم مصالحه الاقتصادية، وتجارته على المسائل الإيديولوجية، الآن صار أيديولوجيا أكثر من الباقين، وترك المجال كي يشعر «حزب الله» بحاجة شديدة الى الجنرال ميشال عون، لم تكن من ضرورة لهذه الحاجة لكن، العدوانية التي واجه بها السنّة مناوئيهم جعل تحالف عون ـ حزب الله قوياً». ومع هذا، وحسب ما سمعه المرجع العربي في دمشق، وعلى الرغم من ان السياسيين هناك يعتبرون أن فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اذكى من الآخرين، «إلا انه احرق أوراقه»، وعلى الرغم من رفضهم مسامحة وليد جنبلاط «رغم كل محاولاته للتقرب وآخرها منذ شهرين»، إلا أن سوريا لا تزال فاتحة الطريق أمام سعد الحريري رئيس كتلة «المستقبل» ويقول: «إن سوريا تكون مرتاحة اذا اتفق الحريري وعون و«حزب الله»، هذه حالة مثالية في نظرها، وبهذه الطريقة يتولى الحريري إدارة الاقتصاد ويدير الآخرون السياسة! لكن سعد لم يقرر بعد». وبعد أن يقول انه لم يفهم في دمشق سبب المشكلة بين السعودية وسوريا، يورد بأن سوريا مستعدة أن تعرض على السعودية اتفاقاً إقليميا يضم تركيا وإيران ويتجاوز قصة الشيعة والسنّة، فيرتاح الخليج بأن لا خطر عليه، ويتحرر قليلاً من الضغط الاميركي» ويضيف: «لا بد من احتواء إيران وليس طلب عداوتها، إذ لا يمكن نزع تأثيرها في المنطقة، فهناك شيعة في العراق، وفي البحرين، وفي الكويت، وفي عُمان و«حزب الله» في لبنان، من لا نستطيع مواجهته الأفضل الاتفاق معه، وتأتي تركيا فيتم تجريد او تطبيع إيران. وقد جرى جس نبض تركيا في هذا الشأن».

ولكن لماذا تتمسك سوريا بإيران ضد المعادلة العربية، يجيب محدثي: «لأن لا خيار أمامها، ولولا قطر وإيران لكانت حالتها الاقتصادية سيئة جداً، النفط يتقلص والعرب لا يقدمون لها شيئاً، لا مساعدة، لا تمويل ولا تسليح. أن سوريا تشعر بأن وضعها الجيو ـ سياسي يجعلها دائماً تعتمد طريقة في التفاوض تبقيها قوية، سياسياً هي قوية، إنما اقتصادياً فإنها تعبة». ويضيف: «لقد واجهت سوريا إيران من اجل الخليج، وطلبت من المسؤولين الإيرانيين عدم التصريح بتهديده إذا ما تعرضت بلادهم لخطر، ثم التصريح بأنهم يريدون سلاماً وجيرة حسنة، لأن اختلاف المقال هذا يؤثر على الخليج، وتعتقد سوريا بأن هذه المواجهة دفعت بالمسؤولين الإيرانيين إلى زيارة المنطقة الخليجية، لكن أحدا لم يأت على ذكر الدور السوري في هذا المجال».

وكان الكاتب والصحفي البريطاني باتريك سيل نشر مقالاً أخيرا أشار فيه إلى أن سوريا ليست متخوفة من نتائج المحكمة، إنما من إجراءاتها، ويقول لي المرجع العربي: «إن سوريا تتخوف من استعمال المحكمة سياسياً، وبأن يتم استدعاء احد المسؤولين فيها، للاستماع إلى شهادته، وهي ترى في هذا إهانة للنظام، اذ ماذا لو طلبت لاهاي استدعاء شخصية كبيرة، وليس عند سوريا الضمانة التي حصلت عليها في السابق عندما توجه بعض مسؤوليها للتحقيق معهم في فيينا. ما الذي يضمن بأن الشاهد السوري غير المتهم سيعود، ربما تقول المحكمة إنها تحتاج إلى بقائه ستة اشهر مثلاً!»

واسأل: ماذا لو طلبت سوريا الضمانة وحصلت عليها، هل تتجاوب؟ يجيب محدثي: «ربما يتم إيجاد طريقة، لأن سوريا لا تملك القدرة على فتح معركة قانونية كبيرة، فهي لا تستطيع تعيين مجموعة مكاتب في الخارج لمحامين كبار مهمتهم عرقلة عمل اي محقق ينوي التلاعب بنتائج التحقيق». ويقول المرجع العربي: «إن سوريا أخطأت في ردة فعلها الأولى على جريمة اغتيال رفيق الحريري، ذلك أن جماعة الاستخبارات كانت تقول بازدراء اللبنانيين وعدم أخذهم في الاعتبار، وسارت ردة فعل سوريا إزاء الجريمة على هذا المنوال فوقعت في الخطأ الكبير».

واسأل محدثي العربي عن دور سوريا في اختيار رئيس جمهورية لبنان فيجيب: «على اللبنانيين أن يحفظوا هذا المنطق البسيط: ان سوريا لا يهمها كثيراً ان يكون الرئيس اللبناني تابعاً مطلقاً لها، ولا يهمها تعيين رئيس، إنما يهمها جداً ألا يأتي رئيس يؤذيها». ويوضح: «اذا كانت الحكومة في لبنان ضد سوريا، فكلما أصدرت مرسوماً يمكن للرئيس أن يوقعه، ويسهل للحكومة الأمر، وتصبح كل المؤسسات الدستورية في جهة واحدة». واسأل: لكن سوريا تريد ان تكون شريكة في تشكيل الحكومة؟

وينفي محدثي هذا الشيء «لأن للمعارضة صوتا مدويا». ويضيف: «لقد أدركت سوريا أن «اتفاق الطائف» لن ينجح في لبنان لذلك جمدته! وما يكتشفه اللبنانيون الآن اكتشفته سوريا سابقاً، وهي اخترعت آليات مختلفة له. وكون «الطائف» لم يعط الرئيس المسيحي أي سلطة أعطته سوريا السلطة. لقد كان إميل لحود أقوى بكثير مما يسمح له «الطائف»، وكان رفيق الحريري يدرك ذلك.

وهل لا تزال دمشق تؤيد قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية؟ يقول المرجع العربي: «ان دمشق تعتبر سليمان احد حلفائها الأقوياء، فمواقفه ظلت واضحة، وتعرف سوريا أن الاميركيين حاولوا تطويقه، لكنها تشعر بأن سليمان قوي وليس من مشكلة معه». أما عن فارس بويز وزير الخارجية السابق الذي عاد اسمه يتردد كبديل عن ميشال سليمان فلا يعتقد المرجع العربي بأن سوريا تطرحه «ربما هو يطرح نفسه باسم سوريا، هي تعرف أن علاقته بوليد جنبلاط جيدة». ولتخفيف الضغط على لبنان، هل يمكن لسوريا أن تسير بانتخاب رئيس أولا؟ يجيب محدثي: «انها لا تستطيع التأثير على المعارضة، الا اذا وقعت اتفاقاً مع السعودية تتفقان فيه على تبادل أمور بينهما، أما أن تُسهل انتخاب الرئيس وتحرج الأكثرية لتقول أنها كسبت، وتقرر لاحقاً تشكيل الحكومة كما تريد، فان سوريا تتأثر والمعارضة لن تقبل، ثم من الضروري أن تطمئن الأطراف لبعضها البعض، إذ أن الثلث المعطل ليس بالضامن، فكيف يمكن لـ«حزب الله» مثلاً ان يضمن عون او بري؟ ويضيف محدثي: أن سوريا أبلغت العرب انه في القمة «سنحل كل شيء». وحسب المصدر العربي، فان سوريا تشعر بأن فرصة ضاعت بـ«تفشيل المبادرة الفرنسية» وهي تتوقع أن يعود الفرنسيون إلى إحياء تلك المبادرة بأي طريقة، على أساس أن المبادرة العربية لن تنجح، لأن كلها تمنيات، وسيقوم عمرو موسى بزيارات شكلية فقط». ولا يفوت محدثي إبلاغي، بأن سوريا لا تعتقد بأن المنطقة مقبلة على حرب، وأنها تستبعد أن تقوم إسرائيل بضرب إيران «إلا إذا ضغطت أميركا».