رماد بوش في عيون سلام الشرق الأوسط

TT

مراقبة نانسي بيلوسي وجون بوهنر وغيرهم من قادة الكونغرس وهم يصوغون حزمة محفزات لتهدئة الاقتصاد المضطرب، تشبه كثيرا مراقبة الرئيس بوش وهو يتابع مبادرته المتأخرة وغير القابلة للتحقق. وفي كلتا الحالتين تشكل التحديات ما هو أكبر من الوسائل المتوفرة، مما يجعلك عاجزا عن تحديد ما إذا كان عليك أن تضحك أو تبكي. ومثلما هو الحال مع السياسيين في فشلهم لحل تأثيرات انهيار نظام الائتمان العالمي، كذلك هو الحال مع بوش الذي يحاول في آخر سنة له تحقيق انتصار دبلوماسي ظل يفلت من خط طويل من مفاوضين خارجيين. ومحاولات تحقيق السلام في المنطقة جاء نتيجة شعور باليأس أكثر من كونه متأتيا من خطط كبيرة وضعت في واشنطن أو جنيف. وهذه هي على الأرجح الحال مع المبادرة في هذه المرة أيضا. يتحرك بوش وبيلوسي بنفس الدوافع السياسية، وهذه تتمثل في حاجتهما إلى أن يُنظر إليهما باعتبارهما يسعيان للقيام بشيء ما حول وضع متدهور هو خارج سيطرتهما. وهما يأملان في أن يتمكنا من مسك موجة ما، مما يجعل مبادرتيهما وكأنهما وراءها. نوه بوش حينما كان في السعودية: «السبب وراء بلورة رؤية هو لإعطاء الشعب الموجود داخل الأراضي الفلسطينية والذين لا يريدون العنف ولا يريدون تدمير إسرائيل الفرصة للحصول على شيء ما».

حتى الفترة الأخيرة ظل بوش يتظاهر بأن الدبلوماسية غير محببة بالنسبة له. ويكفي المرء أن يتكلم مع قادة ومسؤولين أجانب أو مع دبلوماسيين أميركيين، سبق لهم أن راقبوا بوش في جلسات مفاوضات، حتى تتشكل الصورة كاملة عن رئيس يمقت المساومات وجوهر الأخذ والعطاء.

قال أحد الأشخاص الذين عملوا مع بوش في أوضاع كهذه: «إنه ذكي بما فيه الكفاية كي يقوم بذلك. فهو يبادر إلى إيصال أول نقطة الى الآخرين، لكن حينما يكون هناك تراجع من الطرف الآخر لا يستمر في طرح بقية الحجج أو الاقتراحات التي تمت تهيئتها. فهو يبدو غير مبال بما فيه الكفاية كي يكمل المشوار». وواجه بوش موقفا متشككا من جانب السعوديين ودول عربية خليجية أخرى أثناء جولته بشأن السلام في الشرق الأوسط الشهر الحالي، وفقا لمجموعة من المصادر الدبلوماسية. فقد كانت هناك شكوك في ما يتعلق بمناشدته الدول العربية «المعتدلة» لتقديم الدعم السياسي والمالي الذي يمكن أن يجعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قادرا على المضي الى أمام في سبيل السلام.

وأشارت تقارير الى أن أحد الزعماء العرب قال لبوش «لن نوجه الكثير من الأموال الى البنك الدولي ومشاريع غزة التي يمكن أن تفجر من جانب الإسرائيليين في غضون أشهر قليلة عندما تسير الأمور في الاتجاه الخاطئ مرة أخرى». كما أبلغ الرئيس بأن دول الخليج تريد أن يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على حدود دولة فلسطينية قبل أن يتمكنوا من تقديم دعم كامل لمسعى بوش. وواجهت استراتيجية بوش في تجميع الدول العربية الصديقة لدعم السلام مع إسرائيل ومواجهة إيران تراجعا جديدا الأسبوع الماضي عندما هدم عناصر من حماس الجدار الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر.

وفي دمشق دعا زعيم حماس السياسي، خالد مشعل، مصر الى إيقاف تعاونها مع إسرائيل في حراسة حدود غزة والانضمام إلى الفلسطينيين في إيجاد نقاط سيطرة دولية جديدة هناك.

وقال مشعل «إنني أخاطب كل العرب: لا تقولوا ذلك كتبرير من أن هناك اتفاقا دوليا ينظم الحدود». فقد كانت لدى الحكومات المصرية السابقة الشجاعة في تحدي الضغط الدولي. وتتحدث حماس في الواقع عن الوهم العربي الذي ساد لفترة تزيد على نصف قرن. ويعترف الزعماء العرب بأنهم لم يحملوا للفلسطينيين سوى مشاعر الأخوة والوحدة للفلسطينيين وقضيتهم. ولكن الخوف يدفع سياساتهم، وهو خوف من تطرف السياسة الفلسطينية والمستويات العالية نسبيا من التعليم للسكان اللاجئين في الأراضي العربية عام 1948 ومرة أخرى في عام 1967 ومن الرأي العام في بلدانهم. وأبلغ الزعماء العرب بوش بطريقة ما أن الغرب يتحمل المسؤولية عن فرار اللاجئين الفلسطينيين. ولن يتحمل العرب مسؤولية مالية أو اجتماعية أو سياسية تجاه الفلسطينيين لمجرد مساعدة بوش أو عباس أو إسرائيل أو حتى الفلسطينيين.

وسيعود بوش الى المنطقة في مايو المقبل ليشارك في احتفالات الذكرى الستين لقيام إسرائيل، وربما لتنشيط مبادرته السلمية التي هي بحاجة إلى تنشيط وإنقاذ في الوقت الحالي.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»