أمراض الرأسمالية الأخيرة: طريقة أخرى للعلاج

TT

أعلن زميلي روبرت صامويلسون، الذي أجرى مسحا للفوضى المالية في العالم، الأسبوع الماضي أن «الأعداء الأكثر خطرا للرأسمالية، هم الرأسماليون أنفسهم». هذه هي الحقيقة، ولكن ليست الحقيقة كلها. فهناك رأسماليون بناؤون وكذلك خطرون. واذا ما بدأ ضغط السنة الانتخابية من أجل فرض السيطرة على الوول ستريت بالتصاعد، فإنه سيكون من الحيوي ألا نخلط العالم المالي بأسره. ويتعين على الاستجابة السياسية أن تميز بين اللاعبين الذين يحققون الاستقرار واللاعبين الذين يزعزعون الاستقرار. ولدى المؤسسات المالية الساعية للاستقرار حوافز منطقية. فالناس يدفع لهم من أجل الحصول على أرباح وإدارة المخاطر في الوقت نفسه. وعلى الرغم من كيفية تشويه سمعتها فإن أغلبية صناديق التحوط تقع في هذا الإطار. ولدى المؤسسات المالية المزعزعة للاستقرار حوافز منحرفة. فالناس يقلصون المخاطر ويلاحقون الأرباح بصورة متهورة بسبب بنيتها المتكافئة. وعلى الرغم من سمعتها باعتبارها الناضجة في النظام، فإن بنوك الاستثمار الكبرى تعاني بشكل خاص من هذا الانحراف في الحوافز. وتواجه صناديق التحوط، شهرا صعبا في الوقت الحالي، ولكنها تجاوزت فوضى السوق عموما عبر قليل من الخسائر النسبية. وقد حصل متعامل ذكي اسمه جون بولسون شخصيا، على ما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار عبر المراهنة على أن فقاعة القروض بدون ضمانات ستنفجر. وقد فعل خيرا للعالم كله، طالما أن تعامله منع الفقاعة من التضخم إلى حد. أما وقد باتت الفقاعة تاريخا الآن، فإن صناديق تحوط أخرى تنقض بسرعة من أجل إعادة رسملة الزوايا الفاشلة في السوق. وقد دعم صندوق كبير يسمى سيتاديل شركة الوساطة على الانترنت التي تحمل اسم E-Trade. وقارنوا ذلك مع بنوك الاستثمار. ومن الطبيعي أن الصورة يمكن أن تتغير في الحال. وقد ينفجر في الأسبوع المقبل صندوق تحوط عملاق. وبسبب ان الصناديق غالبا ما تقلد استراتيجيات بعضها البعض في التعامل، فإن الناس المنطقيين يشعرون بالقلق من أن التوتر المفاجئ للاعتمادات، سيرغمهم على اتخاذ مواقف أخرى. ويمكن أن يؤدي ضغط البيع المتزامن إلى انهيار قيمة الصناديق. لبضعة أيام في أغسطس الماضي، بدا ان ذلك ما كان سيحدث، بل وسرت شائعات بحدوث مشاكل جديدة الآن. ولكن فيما تشكل بعض أنواع التجارة مخاطر حقيقية، فإن صناديق التحول قد تمكنت من إدارة الأمر بنجاح، حتى الآن على الأقل. اما الاستثناءات الرئيسية فقد تمثلت في المصارف الاستثمارية. توضح الحوافز هذا الفارق بين صناديق التحوط والمصارف. مديرو صناديق التحوط، كما هو معروف، يستخدمون أموالهم لشراء أسهم في الشركات التي يديرونها. إنهم يستثمرون قسما كبيرا من ثرواتهم الخاصة، إلى جانب ثروات عملائهم، فإذا اشتروا مجموعة من سندات التسليف العقاري غير المضمون سيواجهون الخسارة. وإذا نجحت المخاطرة، فإنهم يتلقون حافزا ضخما. إذا ظهرت نتائج عكسية، فإن المشكلة تصبح مشكلة أصحاب الأسهم. ومن الطبيعي ان تؤدي معادلة الربح والخسارة إلى سيادة أجواء المجازفة. ولكن الأمر يوشك أن يكون أكثر سوءا، لأن من المتوقع ان تؤدي كثير من استراتيجيات الاستثمار إلى تكلفة أصحاب الأسهم مليارات الدولارات، لكنها تظل مرغوبة لدى المصرفيين. لنفترض أن سند قرض عقاري بلا ضمانات يعود بربح نسبته 20 في المائة في السنة، إلا أن مدته الزمنية ستنتهي بعد خمس سنوات. يعني ذلك ان شراء السند سيعود على المصرفي بحوافز جيدة. لدى المصارف، بالطبع، أقسام مسؤولة عن متابعة المخاطر واحتوائها، ومن المحتمل أن يفقد المصرفيون المتهورون وظائفهم. ولكن، هل هناك غرابة، إذا أخذنا هذه الحوافز في الاعتبار، في أن يكثر المصرفيون من هذه السندات على وجه التحديد؟

الحوافز غير المألوفة للمصارف إذن، هي السبب في الاضطرابات التي حدثت العام الماضي. من الخطأ توجيه المسؤولية إلى وكالات التقييم الائتماني، إذ ان توجيه المسؤولية إليها لا يعدو ان يكون انصرافا عن القضية الحقيقة. السؤال الحقيقي هنا هو: لماذا اعتمد المستثمرون على النصائح المتناقضة للجهات المسؤولة عن التقييم الائتماني، فيما لا يفيد توجيه اللوم إلى الاستدانة الواسعة الموجودة في كل مكان من النظام السائد. الدرس المفيد الذي يمكن الاستفادة منه عقب الاضطراب الذي حدث يمكن تلخيصه في ان المصارف يجب ان تكافئ عامليها الذين يحققون لها أرباحا، وان تجري إصلاحات على نظام الحوافز على نحو تصبح منه اقرب إلى صناديق التحوط، وحبذا لو دعا السياسيون أيضا إلى ذلك، كما بوسع المنظمين المساعدة في هذه التوجه. إلا أن كبار أصحاب الأسهم في المصارف، يجب أن يدفعوا بهذا الاتجاه. إعادة الشباب والحيوية إلى الرأسمالية، يجب أن تأتي من الرأسماليين أنفسهم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)