رغبة في التغيير

TT

الانتخابات الأمريكية في مراحلها التمهيدية، تواصل تقديم فصولها المثيرة الواحد تلو الآخر في سباق يكاد يكون مجهول الملامح تماما حتى اللحظات الأخيرة. وحتى هذه المرحلة يتضح وجود مرشحين رئيسيين في كل فريق، فالديمقراطيون يكاد يكون السباق محصورا بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما مع حضور شرفي لجون إدواردز الذي انسحب قبل ساعات، وفي الجانب الجمهوري هناك تنافس محموم بين جون ماكين وميت رومني مع حضور متواضع لمايك هاكبي (مع ضرورة الإشارة إلى السقوط المدوي لعمدة نيويورك الأسبق رودي جولياني، الذي كان يتصدر استطلاعات الرأي الوطنية وذلك بعد إدارته لأسوأ حملة انتخابية ممكنة، وتعامله بالتعالي والغموض في الكثير من المسائل الهامة، وكذلك ملفه الشخصي، مع عدم إغفال إجاباته المثيرة للجدل على بعض المواضيع مثلما تقديمه لنماذج نجاحاته الدبلوماسية، ومنها طرده لياسر عرفات من دار الأوبرا حين زيارته لنيويورك، وزياراته المتكررة لإسرائيل!).

ولكن القضية الأهم لليوم هي الصعود الهائل لنجم السيناتور الشاب من ولاية إلينوي الأفريقي باراك أوباما. هناك حالة من الإثارة والخيال تمكن هذا الرجل من إطلاقها في خيال أمريكا لأنه تحول رمزا للحلم الأمريكي الممكن للشخصية المقهورة والمضطهدة، التي تمكنت من الوصول وتخطي حواجز العرق واللون، وتجمع الأمريكيين على الرسالة بغض النظر عن خلفية من يقدم تلك الرسالة. لقد تحول أوباما إلى النموذج المقصود للدستور الأمريكي الذي يبدأ بكلمات هامة وهي أن «كل الرجال قد خلقوا أسوياء» في إشارة بارزة إلى العدالة الاجتماعية المطلوب بثها بين الناس، وهي دليل بالغ الأهمية على عظمة الدستور الأمريكي وبعد نظره. باراك أوباما شخصية محبوبة آسرة، يرى الناس فيه نماذج معاصرة لجون كيندي الرئيس الأمريكي الأسبق، وآخرون يرون فيه القس الأمريكي المغدور مارتن لوثر كينج الذي كان دوما يصر على نشر الرسالة الايجابية تيمنا بتعاليم المهاتما غاندي القائد الهندي الفذ، ولكن حقيقة الأمر أن باراك أوباما يبقى مجرد واجهة مشرقة بخطاب ايجابي ينقصه المضمون القوي المؤثر، وفهم أبعاد الصراعات السياسية الدولية والمطالب الحقوقية للقضايا العالمية، فهو يقدم ويطرح العديد من الحلول بصورة مثالية رغبة منه في إرضاء أكبر قاعدة شعبية ممكنة، ولكن من الواضح جدا أنه دخل دائرة «الممكن»، بمعنى أنه بات الآن من الممكن أن يفوز بالجائزة الكبرى: رئاسة أمريكا.

أمريكا اليوم تعاني المر من قيادة مهترئة ورئيس أضر باقتصادها وأساء إلى قدراتها المالية لأجيال قادمة، مورطا إياها بديون غير مسبوقة وعجز مهول، وهو الذي تسبب في مساحة من الكراهية والبغض لدولة كانت دائما تحسب أنها قائدة العالم الحر وملجأ المقهورين بإيجاده سلسلة من الاختراقات لمنظومة الحقوق الشخصية وتجاوزات لا تقبل في نظام كان مضربا للأمثال. الناس في أمريكا يتعلقون بباراك أوباما ومثالياته وبراءته بعد ثماني سنوات من الحكم «الغليط» المليء بالغموض والتجاوزات والشخصيات المارقة والمريبة التي روجت للأكاذيب كجزء من سياستها وأهدافها.

يراهن بعض مستشاري الرئيس بوش على أن شعبيته ستزداد ومعدلات الرضى عنه في استطلاعات الرأي العام ستتحسن في الربع الأخير من ولايته، ولكنهم لا يعلمون أن معدلات الرضى هذه سترتفع لأن الناس تيقنت أن أيامه في البيت الأبيض باتت معدودة ومن حقهم أن يرتاحوا ويتنفسوا الصعداء. الانتخابات الأمريكية تشهد إثارة غير مسبوقة في نظام قابل لتصحيح نفسه وأي تغيير قادم حتما سيكون أفضل من الثماني سنوات التي مضت.

[email protected]