الشارع.. الامتحان الأخير؟

TT

لم تعد الأزمة اللبنانية تتحمل التسويف والمماطلة والتشاطر أو أي شكل من أشكال التأجيل... فبعد تفسير مجلس وزراء الخارجية العرب لنصوص مبادرة التسوية، وبعد تحريك المعارضة لشارعها في لبنان، تقلصت خيارات لبنان، على المدى القريب، إلى اثنتين فقط: إما إدارة الأزمة ـ بانتظار أن تحسم انتخابات نيابية جديدة هوية الأكثرية البرلمانية المقبلة وتقبل الأقلية بها ـ أو تفجير الأزمة مع كل ما يعنيه ذلك من تكرار مؤسف لتجربة عام 1975، أو ما سمي عن حق بحروب الآخرين على أرض لبنان. الدرس الأول الذي تعلمناه من أزمة لبنان أن النظام البرلماني فيه لا يعني قبول الأقلية بحكم الأكثرية. بأحسن الحالات يعني «المشاركة» في الحكم، والمشاركة بشروط تتيح للأقلية التحكم بقرار الأكثرية. وعليه، وتحقيقا لهذه الديمقراطية المستحدثة، يعيش اللبنانيون عهد «بلطجة سياسية» تفرض عليهم أن يمروا بامتحان أعصاب إثر امتحان ـ وكأن السياسة أصبحت، في مفهوم أحزاب المعارضة، فن هز العصا وتكسير الرؤوس (رؤوس المخالفين لهم طبعا). لذلك يجوز التخوف مما إذا كان «امتحان الشارع» الأحد الماضي، وما أسفر عنه من خسائر بشرية ومادية، هو «بروفة» أولية لفرص تكرار سيناريو العام 1975... علما أنها مثلت على المسرح نفسه تقريبا؟

إذا كان اللجوء إلى الشارع ردة فعل مباشرة على نجاح الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، في امتحان «اللغة العربية» في القاهرة ـ وهو امتحان آخر اشترطه فقهاء اللغة العربية في المعارضة اللبنانية ـ وعلى وحصوله، بامتياز، على شهادة رسمية من وزراء الخارجية بصحة تفسيره للمبادرة العربية، فذلك يعني أن المعارضة اللبنانية أصبحت، بدورها، أمام امتحان صعب: القبول بالدولة اللبنانية التعددية (ولو بحدها الأدنى)، أو العمل على إلغائها من خارطة الشرق الأوسط. بالنسبة لبعض فصائل المعارضة يبدو القبول بالكيان اللبناني التعددي مناقضا لآيديولوجيتها وولاءاتها، الأمر الذي يستدعي «تنازلات» من جانبها لن يكون من السهل الحصول عليها طالما بقيت الدولة ضعيفة في لبنان. وقد تكون سياسة تأخير قيام مؤسسة الدولة، بدءا بانتخاب رمزها الأول، رئيس الجمهورية، جزءا لا يتجزأ من مخطط الإبقاء على الدولة الضعيفة.

وعلى هذا الصعيد يأخذ بعده الواقعي تشديد وزراء الخارجية العرب على أولوية «تمرير» انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان من دون عوائق دستورية، واقتراحهم إرجاء البحث في الخلافات السياسية حول نسب التمثيل الحزبي في الحكومة المقبلة إلى لقاءات حوارية مباشرة بين الأكثرية البرلمانية والمعارضة.

على خلفية مواقف بعض فصائل المعارضة يجوز اعتبار موافقة أحزابها على أولوية ملء الفراغ الرئاسي مؤشرا مبدئيا على قبولها العودة، في هذه المرحلة، إلى تحت سقف الدولة اللبنانية الواحدة ـ وإن كان لا يعني، بالضرورة، التزامها كامل قرارات الدولة.

ولكن، بعد أحداث الأحد الماضي الدامية في بيروت، لم يعد يعني انتخاب العماد ميشال سليمان لسدة الرئاسة مجرد تأكيد الاتفاق على مرشح توافقي بقدر ما يعني تأكيد الثقة بالمؤسسة اللبنانية الوحيدة التي لا تزال موحدة ومتماسكة، الجيش، وبالتالي المؤسسة المرشحة لأن تكون نواة إعادة بناء لبنان الواحد المستقل والتعددي النظام والوجه.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد أحداث الأحد هو: هل كانت تظاهرات بيروت «المفاجئة»، التي تعللت بمطالب معيشية مبررة، إشارة اعتراض على المرشح التوافقي للرئاسة اللبنانية، أم رفضاً لقيام الدولة القادرة التي يفترض أن يكون الجيش اللبناني عمودها الفقري؟

مؤسف أنه بين نوايا الشارع المعارض وعودة عمرو موسى إلى لبنان والموعد الثالث عشر للانتخابات الرئاسية في 11 فبراير (شباط) المقبل... لن يجد اللبنانيون من يحسدهم على حالهم.