سياسات الاسترضاء.. والتعنت الإيراني النووي

TT

ظل التوتر بين إيران والمجتمع الدولي يعود لثلاث قضايا رئيسية، لكن في الفترة الأخيرة أصبحت اثنتان منها أكثر اهمية. الأولى هي خروق حقوق الإنسان والثانية هي دعم نظام إيران للإرهاب على المستوى العالمي ، أما الثالثة فتتعلق بالملف النووي الخاص بها، وهذه القضايا ظلت مصدر قلق المجتمع الدولي. لكن قضية حقوق الإنسان هي أكثر القضايا الثلاث إهمالا مع مخاوف المجتمع الدولي المتعلقة بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم بشكل عام.

وحاليا احتلت قضيتا دعم النظام الإيراني للإرهاب الدولي وبرنامجه النووي الأسبقية. فملف الإرهاب الدولي يتداخل مع انتشار الأصولية الإسلاموية. وفي جوهر هذه القضية هناك منظمتان إيرانيتان معنيتان بها وهما: فيلق الحرس الثوري الإيراني ومنظمة القدس التي تعد جزءا من الأولى على المستوى الدولي. ونحن شاهدنا قضية الإرهاب المتسبب في الموت والدمار عبر كل الشرق الأوسط. فمنذ غزو العراق عام 2003 أصبح النظام الإيراني داعما للإرهاب ولنشر الأصولية. وعلى مستوى يومي يواجه الشعب العراقي وقوات التحالف القتل والإصابات على يد النظام الإيراني.

مع ذلك فإن العالم ظل يعتبر برنامج الأسلحة النووية الإيراني الأكثر تهديدا. فالبرنامج جرى اخفاؤه لثمانية عشر عاما حتى كشفت عنه منظمة معارضة إيرانية تدعى المجلس الوطني لمقاومة إيران عام 2002. وهذا ما جعل المجتمع الدولي بحاجة إلى التعامل مع إمكانية النظام الإيراني، الذي يعد أقوى طرف يدعم الإرهاب الدولي، في امتلاك قدرات تسليحية نووية. ولعبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة دورا مهما في تقديم إجابة للسؤال التالي: هل تمتلك إيران برنامجا لبناء أسلحة نووية؟

والجواب على هذا السؤال بالنسبة لدوائر الاستخبارات الاميركية هو نعم، لكنه تم إيقافه عام 2003، ولا تمتلك هذه الدوائر أدلة على أن إيران شرعت فيه مجددا. مع ذلك فهذا التقرير يحمل عيوبا كثيرة. فهو يكشف أولا عن قدر كبير من السذاجة في التشديد على ما قاله النظام الإيراني نفسه حول البرنامج النووي. فهل نحن نتوقع من النظام الإيراني أن يقول الحقيقة؟

بالتأكيد نحن نتعامل بالطبع مع نظام أبقى برنامجه النووي مخفيا لثمانية عشر عاما ولم يُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول بشكل كامل إلى المرافق النووية. والأكثر من ذلك هو حقيقة أنه حتى لو قبلنا بالتقرير الأميركي، فهناك إمكانية أمام النظام الإيراني بتحويل برنامجه النووي للأغراض السلمية إلى برنامج لصنع الأسلحة النووية خلال فترة لا تزيد عن ستة أشهر. ومثل هذا الوضع غير مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي.

وأشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقاريرها إلى أن هناك الكثير من الأسئلة غير المجاب عليها عندما يتعلق الأمر ببرنامج إيران النووي. وقام رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي مؤخرا بزيارة إلى الجمهورية الإسلامية من أجل استيضاح بعض هذه القضايا. وهذا اللقاء واحد من سلسلة طويلة من اللقاءات التي أجراها البرادعي خلال سنوات. وهذه المحاولة لطلب معلومات دعمت بالكامل من جانب ترويكا الاتحاد الأوروبي خلال سنوات كثيرة، وهي التي وفرت حوافز مهمة للنظام الإيراني مقابل التزامه باتفاقياته الدولية. وكانت الحوافز الاقتصادية وكذلك الحوافز السياسية أساسية في جميع العروض التي قدمت إلى طهران. غير أن الحافز الأكبر للنظام الإيراني كان وضع منظمة مجاهدي الشعب الإيرانية الديمقراطية المعارضة في قائمة المنظمات الإرهابية.

وكانت منظمة مجاهدي الشعب قد استخدمت كأداة في محاولات فاشلة لإثارة الإيرانيين من اجل القيام بالمهمة وتبقى هذه الحقيقة المحزنة قائمة حتى اليوم. وهي بعينها الجماعة نفسها التي كانت قادرة على الكشف عن برنامج إيران النووي عبر صلاتها الواسعة والدعم الذي تحظى به في إيران مستهدفة في الوقت الحالي من جانب الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لتحقيق نجاح في اطار مباحثاتهم مع النظام الايراني. ويستمر هذا على ان يكون واحدا من الأفعال السياسية المدهشة التي تمارسها الحكومة البريطانية ونظيراتها الأوروبية.

غير انه حتى مع كيانات كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ومن أجل استرضاء الإيرانيين بأية طريقة ممكنة، ما يزال الإيرانيون يواصلون سعيهم إلى الحصول على أسلحة نووية. والنتيجة أن سنوات من أسلوب الاسترضاء قد ترك المجتمع الدولي عاجزا أمام الإيرانيين. غير انه حتى مع فقدان الكثير من الفرص وارتكاب الكثير من الأخطاء السياسية تبقى خيارات أخرى قائمة.

وخيار النجاح خيار بسيط ويتطلب احترام العدالة وحكم القانون. وإذا كان المجتمع الدولي يحترم القانون الدولي الذي وضعه من أجل التعامل مع مثل هذه الأنظمة، فانه يجب علينا أن نرى إجماعا واضحا عبر العالم، على فرض عقوبات كاملة وشاملة على النظام الإيراني، برغم أن الناس يرون أن مثل هذه العقوبات لن تؤثر الا على الشعب الإيراني. واذا كان المجتمع الدولي يحترم العدالة وحكم القانون يجب علينا أن نرى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يلتزمان بحكم القضاء الأوروبي الذي امر بإزالة منظمة مجاهدي الشعب من قائمة الإرهاب. ان العقوبات المترافقة مع دعم للشعب الإيراني ستكون المساعدة المثالية التي توفر للشعب الإيراني أن يحقق الديمقراطية التي يتطلع إليها، بينما ينهي التهديد النووي الذي يواجهه العالم في هذه المرحلة. وهذا هو الخيار الذي تطرحه مريم رجوي والمجلس الوطني للمقاومة في إيران، وهو الخيار الذي يتعين علينا دعمه.

* عضو البرلمان البريطاني ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»