العراق: سيناريوهات حاضر ومستقبل الوجود الأميركي

TT

الجدول الزمني لخفض حجم القوات الاميركية في العراق والمفاوضات الاميركية ـ العراقية بشأن وضع بقية القوات الاميركية هناك بعد عام 2008، قضيتان يساهم النقاش الدائر بشأنهما حاليا في واشنطن في صياغة مستقبل دور أميركا في العراق.

يقوم هذا النقاش على أساس أن سياسة أميركا في العراق بدأت تحقق نجاحا وانه لا بد من إيجاد إطار للمحافظة على المكتسبات الأمنية التي جرى تحقيقها العام الماضي. إلا أن هذا التخطيط العسكري لا يستقيم والمزاج السياسي العام في كل من أميركا والعراق، حيث الرأي العام لا يزال متشككا تجاه الاحتلال العسكري الاميركي، حتى في ظل تحقيق أهدافه أخيرا.

لا يستطيع احد ان ينكر التقدم الذي تحقق في العراق على الصعيد الأمني وفي المفاوضات السياسية بين الأحزاب والمجموعات العرقية. يمكن ملاحظة ذلك في الشارع العراقي وفي وجوه العراقيين في المتاجر والمقاهي. العراقيون الذين التقيتهم الأسبوع الماضي لم يشتكوا من الوضع الأمني وإنما من الخدمات.

كما ان ثمة مؤشرات براغماتية وسط السياسيين العراقيين، الذين باتوا يجيزون التشريعات بعد حالة جمود استمرت حوالي ثلاث سنوات.

السؤال الآن يتركز حول ما إذا بات ممكنا استمرار التقدم الذي حدث مع خفض أميركا حجم قواتها هناك. الجيش العراقي لا يزال بعيدا عن الاستعداد الكامل للاضطلاع بدوره الأمني. الجنرال ديفيد بترايوس، وكبار المسؤولين العسكريين الاميركيين، بدأوا مسبقا مناقشة حجم القوات الاميركية هناك في مرحلة ما بعد استراتيجية زيادتها التي كان الهدف منها توفير الأمن، برغبة أن تتم عملية التقييم بعد يوليو (تموز) المقبل، ويقف الجنرال بترايوس، الذي لا يريد بالطبع ان يخسر المكاسب، التي حققها بشق الأنفس، إلى جانب إجراء تقييم لفترة تزيد على ثلاثة اشهر. اما الرئيس جورج بوش فربما يعارض أيضا خفض المزيد من القوات بعد يوليو المقبل.

هناك أيضا عامل المخاطرة السياسية. فإذا احتفظ بوش بقوة كبيرة إلى حين تسليم مهام منصبه في يناير (كانون الثاني) المقبل، فإن الرئيس القادم ربما يأتي بتغييرات كبيرة في سياسة واشنطن في العراق ويصدر قرارا بخفض أعداد القوات الاميركية هناك بشكل كبير، ومن المحتمل ان يسفر هذا الإجراء عن آثار مدمرة على الوضع الأمني في العراق. لذلك، يرى مسؤولون أميركيون ان الحل الأمثل يتمثل في خفض تقليص حجم القوات على نحو يسمح بالتخطيط بصورة عملية من جانب العسكريين العراقيين لعمليات العام المقبل وما بعده. الجدل الدائر حاليا في واشنطن سيصل نقطة حاسمة عندما يقدم الجنرال بترايوس والسفير الاميركي لدى العراق، ريان كروكر، بتقريرهما حول الوضع في العراق إلى الكونغرس في ابريل (نيسان) المقبل.

في غضون ذلك بدأ مسؤولون اميركيون التفاوض مع الجانب العراقي حول القواعد القانونية التي ستعمل بموجبها القوات الاميركية خلال العام المقبل وما بعده بهدف التوصل إلى «اتفاق إطاري أمني» يحل محل تفويض الأمم المتحدة الذي من المقرر ان ينتهي بنهاية العام الجاري. من ضمن القضايا الشائكة في هذا الجانب السلطات القانونية اللازمة للقوات الاميركية للقيام بعمليات ضد «القاعدة» والميليشيات التي تدعمها إيران، فضلا عن السماح لأميركا بالاستمرار في احتجاز المعتقلين العراقيين الذين يقدر عددهم حاليا بحالي 24000 شخص، بالإضافة إلى حقوق أميركا في إدارة قواعد عسكرية بالعراق. ويعتزم الجانب العراقي الاستعانة بمحامين عراقيين لديهم الخبرة في التفاوض. هذا التخطيط يبدو معقولا على نحو كاف عندما يستمع الشخص إلى تصريحات المسؤولين العراقيين والاميركيين.. ولكن إذا لم يأخذ المسؤولون عن التخطيط الواقع السياسي في الحسبان، مع طمأنة العراقيين والاميركيين على ان القوات الاميركية ستخرج تدريجيا من العراق، فإنهم من المحتمل ان ينتهوا إلى إنتاج نسخة جديدة من «العملية المستحيلة».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»