الأمن القومي العربي: صفحة نعم .. صفحة لا

TT

لا يجوز ـ وفق مبادئ التأريخ ـ أن يكون الرجل المطلع والمضطلع، انتقائيا. لا في اختيار الوثائق والنصوص ولا في إعادة قراءة ما يعرفه تماما من التاريخ. أي مجموع المحادثات (والمعاهدات) التي عقدها الملك فيصل مع الرئيس جمال عبد الناصر، حول العلاقات الثنائية، ومن ثم حول اليمن. وجميع تلك المحادثات والمعاهدات تثبت أن الملك فيصل رمى الى إقامة أفضل وأعمق علاقة مع مصر، وقوبل دائما بصوت أحمد سعيد الذي جعل نفسه «صوت العرب». ولم يقل الرجل كلمة إلا عندما هاجمت الطائرات المصرية نجران وعسير. وحتى عندما انتقد الاعتداء الذي قام به حكام القاهرة، متجنبا أن يحصر المسؤولية في الرئيس عبد الناصر، تاركا الأبواب مفتوحة أمام توافق مستديم مع القاهرة، أو على الأقل أمام تفاهم منظم. وكان الرد عليه دائما في صوت أحمد سعيد. بل ألقى عبد الناصر نفسه خطبا تجرح تجريحا شخصيا في فيصل بن عبد العزيز وفي لحيته وفي قضايا أخرى.

عندما يتحدث الأستاذ هيكل عن «الأمن القومي»، كيف تبدو له محاولات الملك فيصل للرد عن الحدود السعودية؟ وكيف يبدو سلوكه وسلوك شعبه وصحفه وإذاعاته في مواجهة الحملة المصرية الشفهية والسياسية؟

وإذ نعيد قراءة التاريخ ـ الذي لا يزال طريا في الذاكرة ـ لماذا نقرأ، صفحة نعم صفحة لا. ألم يعثر الأستاذ هيكل ـ على الأقل في الوثائق الدولية الجديدة، إن لم يكن في دفاتره ومفكراته الشخصية ـ على شيء من دور فيصل القومي، وعلى مواقفه التي أعرب عنها كوزير للخارجية منذ عشرينات القرن الماضي؟ أليس في مواقف فيصل من مصر غداة 1967 وغداة 1973 ما يحمل هيكل على إعادة النظر حتى في فقرة واحدة من سلسلة «الأمن القومي» والأدوار العربية المختلفة.

يعرف هيكل أكثر بكثير مما يروي لنا، عندما يتعلق الأمر بالسعودية. لكنه يتغافل عمدا عن كل ذلك لأنه يرفص أن يخرج من موقع الثأر من هزيمة 1965 عندما وجد نفسه قادما مع عبد الناصر الى جدة ليوقع اتفاق اليمن أمام دولة لم تكن تملك يومئذ سوى جيش صغير وإذاعة محلية وبضع صحف محلية أيضا. ينتقم المرء عادة من معتد عليه وعلى بلده وعلى طمأنينته، أما المضي في الثأر من المعتدى عليه فلا يمكن إدخاله في كتابة التاريخ. إن له تصنيفات أخرى.