حاذر أنفك

TT

كنت في الماضي أتابع مراحل انتخابات الرئاسة الأميركية بسبب أحكام العمل. وقد توقفت عن ذلك مذ أصبحت غير ملزم بتفاصيل هذا السيرك الاحتفالي. لدينا الوقت كله. فغداً عندما يختار الأميركيون رجل البيت الأبيض، نعرف جميعا من هو الرئيس، حتى ذلك الوقت، لا نزال مع جورج بوش الذي فضلوه على آل غور، نائب بيل كلينتون المثقف والمجرّب. التخمينات متروكة لمكاتب المراهنات. أنا من أولئك الذين لا يفهمون الشعب الأميركي ولا آلية الانتخاب. ولا أفهم كيف خسر جورج بوش الأب بكل سيرته وكفاءاته وكيف ربح ابنه الخالي من أي كفاءة ولا سيرة ذاتية تشفع له، ولا أفهم الشعب الاميركي الذي أسقط دائما المثقفين والمشاعريين واقترع «لرجال بلا حيثيات» كما في عنوان رواية موزيل الشهيرة.

ولست أفهم أيضا الفارق الذي نصر عليه، بين الجمهوريين والديمقراطيين. فالشائع أن الديمقراطيين ضد الحرب، لكن هاري ترومان الذي رمى هيروشيما بقنبلة ذرية كان ديمقراطيا. وقد توفيت أخيرا ابنته مارغريت، التي احترفت الغناء والكتابة. وعندما انتقد محرر «الواشنطن بوست» الفني أداءها بعث إليه رئيس أميركا برسالة مقتضبة «الحمد لله أنني لا أعرفك، لكن إذا حدث والتقيت بك فسوف تحتاج إلى أنف جديد».

لا أتابع السيرك لكنني توقفت عند تأييد السناتور ادوارد كينيدي وكارولين جون كينيدي للمرشح باراك أوباما. هذه أميركا الأخرى. أميركا الذين لا يفوزون وإذا فازوا قتلوا، قد لا يفوز الأسمر أوباما بالرئاسة غدا، لكن تأييد أسرة كينيدي لحملته موقف ناصع جدا فيما تغرق أميركا في آثار جورج بوش وإدارته المؤلفة من وزراء دفاع سابقين وجنرالات سابقين ومحافظين دائمين، تقف أسرة كبرى من أتباع ابراهام لنكولن ضد هيلاري كلنتون، لأنها أعربت عن مشاعر عنصرية. لأنها أرادت أن تعيد باراك أوباما إلى الغيتو.

هذا بعض أميركا، فيما تذهب الجماهير إلى انتخاب رونالد ريغان، تبقى النخب التي يمثلها جون وروبرت وادوارد كينيدي، لقد اغتال سرحان سرحان روبرت كينيدي بحجة أنه يدعم إسرائيل في مرحلة كان فيها كل أميركي يدعم إسرائيل أكثر منه. ولا أعرف ماذا كان يمكن أن يحدث لو عاش. الأرجح أننا كما اضطررنا لانتظار جورج بوش ليمنّنا بالدولة الفلسطينية. أشك أنه يعرف أين تقع.

ليس باراك أوباما أسمر ومسلم الأب فحسب، بل هو أسوأ من ذلك. إنه شاب. وهنا تكمن جرأة آل كينيدي، أصحاب «الحدود الجديدة» في السياسة الأميركية. وعندما اعترض هاري ترومان (محطم أنوف النقاد) على ترشيح جون كينيدي بحجة أنه لا يزال شابا، رد السناتور الشاب آنذاك بالقول: «يجب أن تتنبه، سيادة الرئيس، إلى أن هذا العالم قد تغير». ربما تتغير أميركا مرة أخرى، وتقترع لأول ملون في بلاد تجارة العبيد بعد روما.