ماذا لو كنت وحدك في هذا الكون؟

TT

فجأة وجدت نفسي وحدي. وكنت طفلا. ولم أعرف أين تركت والدتي مفتاح الشقة. إنها ذهبت للعزاء. ولم أحاول أن أسأل الجيران أو البقال. ولم أفكر تفكيراً منطقياً. فأنا اجتماعياً شديد الخجل. وكان من الممكن أن أذهب إلى بيت أحد الأقارب حتى الصباح. ولم أجد إلا حلا واحدا، ولا أدري من أين أتت هذه الفكرة. ذهبت إلى أحد المساجد لكي أبيت فيه ولكن حدث عند التاسعة مساءً أن جاء حارس المسجد ونبهني إلى أنه لا بد من إغلاق المسجد. وذهبت إلى إحدى الكنائس فوجدتها مغلقة ـ ولم يخطر على بالي أن أذهب إلى أصدقائي أو أصدقاء والدتي. وظللت أدور في الشوارع، حتى وجدتني أمام بيت أحد أعمامي، ووجدت سيارته في الشارع فدخلتها ونمت حتى الصباح.

وكان هذا السلوك الأول من نوعه في حياتي، ولم أستعد نفسياً لهذا اليوم. وعرفت أن والدتي تركت مفتاح الشقة عند الجيران مع خطاب تقول فيه لماذا سافرت فجأة..

ولكن ماذا يحدث لو أنني لم أجد أحداً في كل العمارة أو في كل المدينة أو في كل مصر أو في قارة أفريقيا أو في القارات الخمس؟ كل الناس قد اختفوا ولم يبق سواي. فكيف أعيش. أما الطعام فسوف أجده، والماء أيضاً، والمأوى. وكم يوماً أستطيع أن أحتمل هذا الفراغ.. هذا العدم؟ وقد لا أستطيع أن افعل ما فعله (روبنسون كروزو) في جزيرته، فهو شخص مغامر قوي حاضر الحيلة والذكاء.

وسوف تبدأ المشكلة إذا أصابني الزكام.. أي أن فيروساً أو ميكروباً قد دخل إلى جسمي من أنفي أو من فمي. ماذا أفعل ولست طبيباً. من المؤكد أنني سوف ألجأ إلى الذاكرة وأحاول أن أجد علاجاً مؤقتاً، أو قد أتعاطى عقاراً ينعش الميكروبات فتنفرد بي..

إننا نعيش الآن وقادرون على ذلك لأن هناك من يأتي لنا بالماء والطعام والحرارة في التليفون والوقود والدواء والأمان. ولا نفكر في كل ذلك، فنحن نعيش معتمدين على الغير. إن الغير يشبه جاذبية الأرض التي بسببها لا نطير في الهواء ونتوازن في المشي والنوم. وبسببها تستقر الأشياء في أيدينا وعلى موائدنا. ونحن لا نرى الجاذبية. والعلم الحديث لم يقل لنا حتى الآن لماذا توجد جاذبية.

فأنت لست وحدك في أي وقت مهما حاولت أن تكون كذلك!