سؤالان: أين نجحت السياسة الصهيونية .. وأين فشلنا ؟

TT

رغم كل مشاعر الرفض والاشمئزاز التي أستشعرها تجاه السياسة الصهيونية الوحشية، وهي تتفنن في صنع الموت في فلسطين، وتتفاخر أمام العالم بقعودها فوق تل من الجماجم، وبحصارها الجائر لقطاع غزة، فأنا لا أنكر أنني أحسدها على أمر هام فطنت إليه منذ زمن، في حين يغيب عنا نحن العرب إلى الآن، وهو قدرتها على لم شتات اليهود في العالم منذ الإعلان عن دولة إسرائيل سنة 1948 بتركيزها على الدين اليهودي واللغة العبرية، أحسدها لكون يهود بن يعزرا أحيا اللغة العبرية لإيمانه بأهميتها في تعميق الولاء للأرض والوطن، ولكونها توسلت التوراة والتلمود لإضفاء الشرعية على سياستها. وهو أمر لم نفطن له نحن العرب بعد للتوحد وللم شتاتنا المبعثر، ومازلنا نختلف عند كل بداية، ونحن نمتلك كل المقومات التي تؤهلنا لتلك الوحدة المنشودة. حتى في المناهج التعليمية الإسرائيلية، نجدها تتفيأ ظلال الدين واللغة العبرية، وتصر على فرضهما، وتدس كل سموم الحقد والعنصرية تجاه العربي «اللص»، «الجبان».. في نظرها، والقصص التي يتم ذكرها في مناهجهم التعليمية وفي القصص الموجهة للأطفال، وذلك لإعداد الشاب الإسرائيلي المفروض أنه سيتخذ القرارات السياسية مستقبلا، والمأمول فيه كل الكره للعرب والمسلمين.

وأستغرب من صرخة «مشروع الشرق الأوسط الكبير» التي أطلقها الرئيس الامريكي جورج بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لمداواة «الرجل المريض» العربي حسب زعم أمريكا، وترتيب البيت السياسي والاجتماعي والثقافي ببصمة أمريكية وأوروبية أيضا، أتذكر تلك الصرخة التمويهية التضليلية التي توهمنا بالإصلاح وبحقوق الإنسان وبالديمقراطية وبالتنمية الاقتصادية والفكرية والمعرفية، لكنها تخفي في أغوارها نزعة للهيمنة وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية العربية بمزاج أمريكي. أستغرب من تلك الدعوة لإصلاح التعليم العربي وتخليصه من كل سموم الكراهية وإزالة كل المواد السلبية من النصوص الدينية، رغم أن ديننا كان دائما وأبدا نموذجا للتسامح والسلام والحب.. وإسرائيل ومناهجها التعليمية تلك التي حولت الطفولة الإسرائيلية من ماء عذب زلال إلى وحل من الكراهية والعنصرية، هي بالضبط من يحتاج إلى مثل هذه الصرخة الأمريكية، لكن للأسف يتم عادة امتداح كل نواقصها ومباركة كل سياساتها.

والمثير للاهتمام أن هذه الدعوات «الإصلاحية» الأمريكية توجهت إلى العالم العربي متجاهلة مشاكلها الداخلية، كتدني مشكلة التعليم الأمريكي، حين امتصت ميزانية حربها على الإرهاب من ميزانية بعض قطاعاتها الداخلية بعد أحداث 11 أيلول، هذه الدعوة لقيت نسبيا «صحوة» عربية، وتم التركيز في قمة تونس 2004، وقمة الجزائر 2005، وقمة الخرطوم 2006، وقمة الرياض 2007، على ضرورة إصلاح التعليم، وتم في القمة العربية الأخيرة بالرياض تكليف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم باستكمال الخطة العربية لتطوير التعليم، تمهيدا لعرضها على القمة العربية القادمة المقرر عقدها بدمشق في مارس (آذار) 2008، رغم أن الاتصالات الآن على قدم وساق من أجل الدعوة إلى قمة عربية طارئة في القاهرة، فالملفان اللبناني والفلسطيني سيهيمنان على كل الملفات، والموقف السوري قد يساهم في تأجيل موعد القمة العربية الدوري المزمع عقده في دمشق، رغم تأكيد عمرو موسى على أن القمة ستعقد في موعدها الدوري المحدد. وأظن أن خطة تطوير التعليم في الوطن العربي، والمقرر عرضها على القمة ستبقى أسيرة الرفوف مثل سابق الملفات، رغم أن العالم العربي الآن يعاني من بطالة وأمية خطيرة مستشرية، فقد بلغت نسبة الأميين في الوطن العربي 100 مليون نسمة، أي ثلث عدد سكان العالم العربي، فهذه النسبة تستلزم تدخلا عربيا سريعا، وبتبنينا لسياسة تعليمية إصلاحية عربية تقضي على كل محاولات المسخ لهويتنا ولقيمنا، نستطيع آنذاك الانفلات من هيمنة المشروع الأمريكي الذي يطاردنا. فإصلاح التعليم في الوطن العربي لا يمكن أن يتم بالنوايا والأمنيات، بل بخطط عملية مرنة قابلة للتنفيذ، واستراتيجية تعليمية تساير التطورات العالمية، وتستجيب لمتطلبات سوق الشغل، وترسخ أسس التفكير النقدي والعلمي، فتعليمنا لا أظنه بحاجة للتحريض على الكراهية والتعبئة النفسية لمواجهة العدو كما يقع في المناهج التعليمية الإسرائيلية، فما يقع في فلسطين والعراق ولبنان من فجائع مرة تتخمنا ألما وكرها للسياسة الأمريكية الظالمة، وصورة «الدرة» المقمط في كفن الموت، لا أظن أن الزمن قادر على محوها من ذاكرتنا بسهولة، بل مناهجنا التعليمية في حاجة إلى غرس قيم التسامح والمواطنة والوحدة، فقد نخشى على التربية السائدة وعلى الأنظمة السياسية غير العادلة من تمرد هذا الفكر النقدي، لكن لا خوف على الشخصية العربية، فبالتأكيد ستكون شخصية سوية متصالحة مع ذاتها، قادرة على اتخاذ القرارات الفردية، وبالتالي القرارات العامة بنوع من الثقة والجرأة والمسؤولية، محبة لما تعمل، ولها القدرة على التمييز والتعامل مع ما ينهال إليه من معرفة وثقافة وقيم غريبة.

فالإصلاح على الطريقة الكاوبوية، غدا فزاعة تشهرها بعض الأنظمة العربية على شعوبها كي تضمن صمتها وخوفها، وأمريكا لا يهمها إصلاح العالم العربي واجتثاث كل جذور الديكتاتورية والإرهاب والعنصرية.. كما تزعم في كل مناسبة تتاح لها، بل همها هو النفط العربي المغري ونزعتها الاستعمارية المهيمنة والمتسلطة، لذلك فلا سبيل للوقوف طويلا حول ماركة هذه الدعوات «الإصلاحية» هل هي أمريكية أو أوروبية، بل يجب تجاوز كل هذه الخطابات والتفكير جديا بإصلاحات عربية بدم عربي وتتلاءم والظروف العربية، وسياسة تعليمية تساير التطور العالمي والكوني، تركز على لغة عربية مرنة قابلة للتطوير وعلى خطاب ديني متجدد يستجيب لمقتضيات العصر بنوع من الانفتاح، حفاظا على قيمنا وهويتنا وكياننا الحضاري من الانمحاء في الخريطة الجيوسياسية العالمية.

* كاتبة من المغرب